IMLebanon

الموارنة قد يخسرون إذا عُدّل الطائف: المناصفة تُصبح مثالثة والرئاسة الأولى مداورة!

كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقول كلما أثير في حضوره موضوع تعديل اتفاق الطائف إنه الاتفاق الأفضل خصوصاً للمسيحيين لأنه ضمن لهم أشياء مهمة، منها رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش والمناصفة الثابتة التي لا تتغير مهما تغير الوضع الديموغرافي في لبنان. لذلك فلا مصلحة للمسيحيين في فتح باب تعديل اتفاق الطائف بهدف الحصول على المزيد لئلا يقعوا في النقصان. فالمسألة ليست مسألة صلاحيات يحتاج إليها رئيس الجمهورية ليستطيع أن يحكم، إنما هي مسألة رئيس يكون لديه من الحكمة والدراية ما يجعله يعرف كيف يحكم. ويتساءل: أوَلم يكن لرؤساء جمهورية بموجب دستور ما قبل الطائف صلاحيات واسعة جعلت منه “ملكاً على جمهورية” فكانت النتيجة أن من أساء استخدام هذه الصلاحيات واجه أزمات حالت دون تمكينه من تشكيل حكومات، وهدّدت مصير حكمه وعهده لأنه كان يتحمل بموجب هذه الصلاحيات مسؤولية تعيين رئيس الحكومة والوزراء. وغالباً كان يتم ذلك من دون قبول أكثرية المسلمين أو أكثرية المسيحيين فينقلبون عليه. وهو ما حصل في آخر عهود الرؤساء الشيخ بشارة الخوري وكميل شمعون وسليمان فرنجية، فصحح اتفاق الطائف ذلك برفع مسؤولية تشكيل الحكومة عن رئيس الجمهورية وحده وناطها بالرئيس الذي تسميه الأكثرية النيابية استناداً إلى استشارات ملزمة يجريها رئيس الجمهورية على أن يجري رئيس الحكومة المكلف استشارات نيابية لاختيار الوزراء على نحو يضمن له ثقة الأكثرية على أساس بيان وزاري. وحرص اتفاق الطائف على ألا يجعل رئيس الحكومة يستأثر بتشكيل الحكومة، إنما ربط تشكيلها بموافقة رئيس الجمهورية وبالاتفاق معه ليكونا شريكين مسؤولين عن ذلك أمام مجلس النواب وأمام الشعب. وحدّد اتفاق الطائف شروطاً لحلّ مجلس النواب لأن صلاحية حلّه عندما كانت في يد رئيس الجمهورية جعلت بعض الرؤساء يسيء استعمالها إما بدوافع سياسية أو مصلحية.

الواقع أن التركيبة السياسية والمذهبية في لبنان دقيقة وحساسة إلى حدّ تضطر رئيس الجمهورية أحياناً إلى عدم استخدام حتى ما تبقى له من صلاحيات تجنباً لانقسام داخلي حاد سياسياً أو مذهبياً، يفتح في وجهه أزمات حادّة تحول دون تشكيل حكومة وحتى دون انتخاب رئيس للجمهورية كما هو حاصل حالياً، لأن هذه التركيبة الدقيقة تمنع تطبيق النظام الديموقراطي تطبيقاً صحيحاً وكاملاً بحيث تحكم بموجبه الأكثرية والأقلية تعارض كما في الدول العريقة.

وهذا ما جعل الوزير السابق ميشال إده يكرّر القول في محاضراته، وكان آخرها في “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية”: “إن الترجمة الملموسة لخيار الديموقراطية إنما تقوم أساساً على تمكين العائلات الروحية اللبنانية جميعها من أن تعيش سياسياً معاً وأن تضع بالتوافق معاً الأسس والقوانين الناظمة لحياة جميع المواطنين وأن تتمكن من مراقبة سير تنفيذ هذه القوانين وتطبيقها على الجميع بالتساوي، وان قول البابا القديس يوحنا بولس الثاني: “لبنان أكثر من بلد، إنه رسالة” فلأنه بيئة عيش مشترك يعترف بالحق في الاختلاف ويقوم على احترام الآخر المختلف وقبوله باختلافه، فلبنان المتنوع وبصيغته المجتمعية القائمة وبنظامه بالتمثيل السياسي للعائلات الروحية إنما يجسَّد في هذا الشرق حوار الحياة بين المسيحية والاسلام خدمة لتلاقي هاتين الديانتين وائتلافهما في العالم كله”. ويختم إده بالقول: “لا يمكن الأخطاء التي تعتور نظامنا أن تسوغ أي دعوة من الدعوات إلى اعادة النظر بخيارنا الديموقراطي الحق، سواء باسم الغاء الطائفية السياسية أو باسم مؤتمر تأسيسي. المرتع الخصب لهذه “الأخطاء إنما هو المحسوبية والمحاصصة والفساد التي عززتها الممارسة المشوّهة لنظامنا وضربت عرض الحائط بدولة الحق بالمساءلة والمحاسبة”.

فعلى اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً أن يتنبهوا لما يمكن أن يحصل نتيجة الدعوة إلى “مؤتمر تأسيسي” بهدف تعديل اتفاق الطائف بحجة انه “لا يؤمن التوازن بين الرئاسات”، كما جاء في محاضرة للعماد ميشال عون في جامعة دمشق (كانون الأول 2008)، إذ يخشى أن تؤدي المطالبة باستعادة بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية إلى إعادة النظر في توزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف الثلاث الكبرى، بحيث تصبح إما مداورة في ما بينها أو مفتوحة من أجل اختيار الأكفأ والأصلح والأجدر في كل مذهب، توصلاً إلى تفادي أزمة الانتخابات غير مرّة، الرئاسية إما لخلاف مسيحي – اسلامي، وإما لخلاف مسيحي – مسيحي كما هو حاصل اليوم، وهو خلاف قد يجعلهم يخسرون أعلى منصب في الدولة بعدما خسروا جزءاً من الصلاحيات فيتحملون عندئذ مسؤولية أفعالهم المرتجلة أمام الله والتاريخ والوطن.