الإنتخابات على قاب قوسين والهمّ في مكان آخر
أن تكون مارونياً شيء وأن تكون في الرابطة المارونية شيء آخر! فالماروني قلق أما الرابطة فتبدو وكأنها تغرّد وحيدة خارج السرب. فهل الموارنة ولبنان بحاجة إليها الآن أكثر من أي أوان؟ وهل يراهن الموارنة على انتخابات الرابطة في 19 آذار المقبل أم أن تتالي المصائب، كمّاً وحجماً، على البلد يجعل الهمّ في مكان آخر؟
ثلاثة مرشحين (حتى اليوم) لرئاسة الرابطة المارونية: بول كنعان، غسان الخوري وخليل كرم، والعدد يمكن أن يزيد بعد وبعد. وماذا بعد؟
رئيس الرابطة الحالي النائب السابق نعمة الله أبي نصر لا يجيب على هاتفه. معذور ربما فلا أحد يعرف ظروف الآخر. لكن، الإتهامات التي تحيط بفترة رئاسته أكثر بكثير من “النجاحات” التي يمكن أن يُحكى عنها. لا بل أكثر من ذلك هناك من يقول ويكرر أن نعمة الله قضى على آخر معالم الرابطة.
طبعا، الرابطة المارونية التي يفترض أن يمثل رئيسها أعلى سلطة مارونية في لبنان بعد رئيس الجمهورية، والمخوّل الكلام باسم المجتمع الماروني بأكمله، لم يلعب دوره. وهو أمر قد لا يختلف حوله اثنان. المحامي جوزف نعمة، عضو المجلس التنفيذي للرابطة المارونية (المعلقة عضويته بقرار من نعمة الله أبي نصر) على خلاف مع المجلس الحالي ويقول “هناك دعاوى وإنذارات وخلافات والكيل طفح مع أبي نصر الذي علّق عضويتي فاعترضت فردّت المحكمة الإعتراض. فقدم قراراً جديداً علّق بموجبه عضويتي فطلبت تعليق القرار مجدداً فاستأنف لكنه قدم قراراً بتمديد التعليق الأول والثاني الى الثالث من آذار. واليوم أنا في انتظار صدور قرار بالعقوبة الثالثة أتوقع أن يكون لصالحي”.
مصالح خاصة
جوزف نعمة قواتي. و”القوات اللبنانية” سبق ودعمت وصول أبي نصر الى موقعه وأعطته أصواتها من خلال لائحة توافقية من أجل الحؤول يومها دون حدوث إنقسامات داخل الرابطة لكن، بحسب نعمة، “حين دخل المال في لعبة رئيس الرابطة من خلال منح جبران باسيل عقارين يملكهما في البترون من أجل محطة كهربائية، هما إرث من زوجته، سعرهما مليونا دولار إستملكتهما وزارة الطاقة بأربعين مليون دولار، تقاسماه الرجلان (باسيل وأبي نصر) ظهرت لاحيادية الرابطة وعملها للشأن الخاص لا الماروني. هنا قامت قيامة أعضاء في مجلس الرابطة لكن رئيسها استمر في انتهاز موقعه لأغراض جد خاصة واشتدّ النزاع”.
بول كنعان لعلّه الأكثر حظوظا للوصول اليوم الى رئاسة الرابطة بحسب المعنيين. فما رأيه؟ وماذا في جعبته من أفكار لتحقيق فارق ما ينشل الرابطة من موتها السريري؟
الرابطة ليست نادياً
لا يرغب كنعان في الكلام عن “موت سريري” وعن أخطاء مارسها من مرّوا على رئاسة الرابطة المارونية ويقول: “لديّ شعور قوي بضرورة المشاركة في مواجهة الأزمة. فلا استسلام في قاموسي. ولا أرغب في أن أنصّب نفسي محاسباً لأحد. فلربما لم يحالف الظرف الآخرين. أنا واثق بضرورة تفعيل الأنتليجنسيا المارونية من خلال المؤسسة. يجب ان تكون الرابطة حكومة ظل عند المسيحيين وتحديداً عند الموارنة الذين يُشكلون الطاقة الوحيدة التي لم تشتغل لنفسها بل لكل لبنان منذ إعلان لبنان الكبير. أثق بوجوب عدم ممارسة سياسة ردة الفعل التي توصلنا الى حروب ومشاكل وهدم المؤسسات والطاقات الإنتاجية. مطلوب التفكير جدياً وبالعمق في ما أوصلنا الى ما نحن فيه. علينا إقامة خلوات فكرية تفكر وترسم المستقبل. هذا دورنا”.
تضم الرابطة 1300 منتسب، صوّت منهم في آخر انتخابات 623 منتسباً وهذا معناه أن نحو 700 منهم لم يبالوا أو لم يشعروا بأنفسهم معنيين. ويقول كنعان “نحن نريد هؤلاء جميعاً. نريدهم ان يعودوا الى الرابطة ويضعوا ايديهم معنا. هناك عمداء وسفراء وأساتذة جامعات ومحامون واطباء ومهندسون في الرابطة. نريد ان نشكل مع كل هؤلاء مجموعات تكون الى جانب الكنيسة والبطريرك الماروني الذي ليس مضطراً اليوم الى أخذ مبادرات بنفسه وينزل بنفسه الى الأرض لاستيعاب التطورات. نريد مجموعات تشكل الرابطة وتعمل على الملفات وترفعها الى البطريركية. هذا واجبنا وما عاد ممكناً الإنتظار. هناك تحولات جذرية تحصل علينا ان نرافقها لا ان نتفرج عليها”.
يتحدث المرشح الى رئاسة الرابطة عن “الروحانيات” ويقول “نحن اولاد الكنيسة والتاريخ النضالي والمقاوم والبلد الذي اعطى 77 بطريركا وشهداء على مدار التاريخ، لذا لن نستسلم”.
الكلام جميل لكن عملياً ماذا يمكن تحقيقه؟ يجيب كنعان “من يعرفني ويعرف سيرتي العملية يعرف علاقتي بالكنيسة وانتمائي اليها. ما سأعمل له هو اعادة دور الرابطة الفعال والمحاور مسيحياً ووطنياً. نحن مقاومون. عشنا كموارنة في المغاور. والانتخابات المقبلة سيكون لها نكهة اخرى. ستكون “حلوة”.
ماذا يعني أن الإنتخابات معه ستكون “حلوة”؟ يجيب “نحن نخوض الانتخابات بشكل جديد حاملين مشروعاً نشتغل عليه منذ أعوام. نحن نعمل لامركزياً وننزل الى الشارع، بين الناس. أثق ان الرابطة ليست وعاء يستقبل من أنهوا أعمالهم. هي ليست نادياً. يجب على الرابطة ان تتحلى بالقدرة على اخذ المبادرة سريعا وفي الوقت المناسب وان تمتلك المقدرة على التحرك وإقامة العلاقات الواسعة والتعاطي مع الجميع. فلماذا يضطر البطريرك ان ينزل الى عين الرمانة بعد الأحداث الأخيرة؟ اين كانت الرابطة؟ يجب ان تكون هي الحاضرة والحاضنة. لا نريد رابطة تصدق على موازنتها بأصوات لا تزيد عن 25 كما حصل. لو حصل ذلك معي لكنت أوقفتُ الجلسة”.
اولوية “القوات” للإنتخابات النيابية
فلنعد الى المحامي جوزف نعمة. ما رأيه بالترشيحات الى رئاسة الرابطة؟ وماذا عن حراك القوات في هذا الإتجاه؟ يجيب “يقال ان البطريرك يؤيد بشكل ما بول كنعان الذي يمكث في بكركي منذ ثلاثة اعوام ويعمل تحت خيمة “موارنة من أجل لبنان”. ويُسارع عند كل حدث لملاقاة البطريرك وهذا ما خلق انطباعاً بأن سيد بكركي يفضل كنعان على غسان خوري. وهنا لا نعرف إذا كان البطريرك سيُكرس الانطباعات التي يعطيها في السياسة في انتخابات الرابطة. في المقابل يبدو غسان خوري وكأنه “فاتح على حسابه”، مع العلم انه يجمع معه قوات وعونيين ومجتمعاً مدنياً. هو ابن جوزف خوري، متعهد المارينا، ويملك المال. هو ترشح في 2019 في مواجهة ابي نصر ولم يربح. اما السفير كرم فمدعوم من التيار الوطني الحر من خلال ابي نصر. ويستطرد نعمة: القوات اللبنانية رأسها في مكان آخر. في العام 2019 كان الجو مختلفاً تماما لذا الإهتمامات بعد هذا التاريخ اصبحت ايضاً في مكان آخر. همّ القوات هو بقاء لبنان لذا هي تصرف الطاقة على الإنتخابات النيابية التي هي على قاب قوسين وعلى تسمية المرشحين ومواجهة مشروع “حزب الله” واحداث عين الرمانة”.
هل نفهم من ذلك أن انتخابات الرابطة المارونية أقل شأناً؟ يجيب نعمة: “لا، ليست ذات شأن أقل لكن تزاحم الأحداث يجعل الهموم تتركز على أولويات مختلفة. وانا لا أنكر أننا كنا قادرين على تشكيل لوبي في الإغتراب من خلال الرابطة يتجاوز قوة “حزب الله” لكن ما اكتشفناه ان اللوبي الماروني عموماً والمسيحي والوطني خصوصاً غير مستعد اليوم ان يعبئ المياه في سلة قش. التحدي هنا وسيأتي يوم يستعيد فيه الإغتراب ثقته بلبنان ومؤسساته. وهذا الهمّ الأهم حالياً. ويستطرد نعمة بالقول: في عهد أنطوان إقليموس طالبت بتعديل النظام من أجل رفع قيمة الاشتراك السنوي للمنتسبين في الرابطة إيماناً مني بأن المال سلطة. أعرف ان اي من المرشحين اليوم، وثلاثتهم يمتلكون المقدرة المالية، قادر على سداد الإشتراك الذي يوازي خمسين دولاراً عن مئة وخمسين منتسباً وبذلك يضمن وصوله وهذا ما أراه مرفوضاً. ما عملت له طوال حقبتين هو إخراج الرابطة الى المدى الأرحب في السياسة بدل ان تكون شريكة في الزواريب الداخلية التي أقحمت بها خصوصاً ايام رئيسها الحالي. نحن نؤمن ان دور الرابطة هو تقريب القواسم المشتركة بين الإخوة في الوطن لا ان يعمد رئيسها الى نقل توجهات من يهيمن عليها. ومثال على ذلك انه مع بداية الثورة انتظرنا ان تأخذ الرابطة موقف البطريرك الداعم لها لكن ما حصل انها انتظرت توجهات جبران باسيل بالصعود متى اعطى الإشارة الى بعبدا. وضابط الإرتباط كان ويستمر انطوان قسطنطين النائم على زند ابي نصر. هو من بات يكتب بيانات الرابطة. لذا أعتقد ان الرابطة انتهت في هذا العهد وهي التي تنازلت عن المواقف الوطنية الجامعة”.
القوات اللبنانية لم تأخذ القرار الرسمي النهائي بالمشاركة في انتخابات الرابطة. وقرارها سيكون له بالطبع آثاره.
ما رأي المرشح بول كنعان؟ هو يجزم انه غير حزبي حتى ولو كان شقيقه ابراهيم كنعان نائباً في التكتل العوني ويقول: “نحن ضد منطق تهميش اي طرف وسيكون، في حال حالفني الحظ، لكل طرف دوره. ويضيف: لن اقبل بقاعدة “زيح لأقعد مطرحك” لأن هناك دوراً للجميع. والمرشحون أصدقائي وأصحابي”.
شهر وعشرة أيام بعد ويحين موعد إنتخابات الرابطة المارونية “الحيّة الميتة”. فهل تلفظ آخر أنفاسها أم يُكتب لها العمر الذي أرادته لنفسها يوم أنشئت؟ للبحث طبعا تتمة.