عندما يعرف الجواب عن الموارنة الى أين، يعرف لبنان الى أين والنظام الى أين والصيغة الى أين والكيان الى أين؟
لقد عرف الموارنة في تاريخهم بأنهم لا يمشون في الصف وأنهم يتوزعون على أحزاب وتكتلات وجبهات هم رؤساؤها، سواء في المعارضة ام في الموالاة، لكنهم كانوا يتفقون على مرشح واحد للرئاسة يمثل المعارضة لينافس مرشحاً آخر يمثل الموالاة، ويبقى للاكثرية النيابية المطلوبة أن تحسم فوز هذا أو ذاك. أما في أيامنا هذه فتشرذم الموارنة وانقسامهم وتفرقهم جعلاهم لا يتفقون على شيء، لا على قانون للانتخابات، ولا على تأليف لوائح موحدة تعوض النقص في عددهم وتواجه لوائح موحدة لطوائف أخرى، ولا الاتفاق على مرشح واحد للرئاسة، ولا حتى على لائحة مرشحين ويترك للاكثرية النيابية الاقتراع لمن تشاء منهم، فاذا بأعلى منصب ماروني في الدولة يبقى شاغراً وتتولى صلاحياته حكومة لا يعرف أحد الى متى تستمر، فلا البطريرك الكاردينال صفير نجح في توحيدهم بعد كل اجتماع، ولا خلفه البطريرك الكاردينال الراعي كذلك، فكانت للبطريرك صفير سلسلة تصريحات وبيانات، جاء في أحدها (ك1 2007): “كنا آلينا على أنفسنا ألا ننزلق الى تسمية أي لبناني يصلح أن يكون رئيساً للجمهورية اللبنانية ففعلنا على كره منا بعد ما حدث سنة 1988 عند تسليم مسؤولين اميركيين لائحة بخمسة أسماء اختارها النواب الموارنة بالاقتراع السري في بكركي على أن يذهب النواب الى المجلس ويستعرضوا الاسماء المطروحة وينتخبوا احدهم لمنصب الرئاسة وفقا للدستور. وعندما شاعت الاسماء صبّ علينا من لم يذكر اسمهم في اللائحة جام غضبهم، وظلت اللائحة تائهة لا يستقر لها قرار، ولم تقدر خطورة الوضع القائم من المسؤولين الذين يمتنع بعضهم عن دخول المجلس ويكتفي بالتوقف في الممرات عند الدعوة الى جلسة الانتخاب لأن ارتهان بعض اللبنانيين الى هذه او تلك من البلدان جعلهم أسرى مواقفهم، فلا يمكن أحداً ان يطلب من وطنه الأمن والاستقرار ما لم يعط وطنه ما يطلبه منه من اخلاص تام، والاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية قبل فوات الاوان والا فان الوضع الخطير يحمل الكثير من اللبنانيين على مغادرة وطنهم”.
واذا كان الموارنة لا يسمعون كلمة الكنيسة ولا كلمة من هم على رأسها فكلمة من يسمعون ليحافظوا على لبنان الذي لولاهم لما وجد؟ أفلا يعلمون أن انقسامهم أفقدهم الصلاحيات في الطائف وقد يفقدهم الرئاسة اذا اعتمدت المداورة؟
لقد سأل الخوري ميشال العويط الذي كان أميناً لاسرار الكرسي البطريركي لاكثر من ثلاثة عقود في كتاب له عنوانه: “وصيتي الى الموارنة”: “ماذا يريد الموارنة”، وبعض ما جاء فيه: “ليس من دور للموارنة في لبنان وفي الشرق وفي العالم خارج خطى مارون، ولا خلاص لهم الا به، وكل خروج عن هذا الدور يجعلهم في ظلمة العالم ويرميهم في المنزلقات الخطيرة. فكثيرون من الموارنة نكثوا بالعهود ولهذا يتخبطون في ظلمة دامسة، وقد أعمت الكثيرين منهم امجاد الدنيا وتناسوا انه لا يمكنهم أن يعبدوا ربين، فوقعوا في الخطر الوجودي الكبير. ليس من سبيل أمام الموارنة، الا تنفيذ مقررات مجامعهم المقدسة وتطبيق بنود الارشاد الرسولي. واذا أراد الموارنة أن لا يتنكروا حقيقتهم فليس أمامهم سوى استكمال شروط ان يكونوا شهوداً وان يستعيدوا كرامة قديسهم مارون الذي تركوه بتشتتهم وصغائرهم وحيداً في عتمة العالم البرانية”.
وكان الاب يواكيم مبارك قد وجه عام 1969 رسالة الى ابناء وطنه من المسيحيين دعا فيها الى تحرير المجتمعات المسيحية والاسلامية من التأثير الطائفي ومن كل آثار الانظمة الدينية البالية، لتتطور نحو نموذج مجتمعاتي ديموقراطي متساو، لافتاً الى ان موجة العنف في مجتمعات العالم العربي خطر يوازي سيطرة بعض الطبقات العسكرية، لذلك من الضروري الوقاية من هذا الخطر عن طريق عدم تسييس الجيوش، وان لا تستند ثقة الشعوب العربية على ثروة السلاح، وانما على غرار الهند في عصر غاندي او أميركا من عصر مارتن لوثر كينغ. ومن واجب الكنائس أن تدعم حركات المقاومة الجديرة بهذا الاسم عن طريق توضيحها للرأي العالمي نشأة هذه الحركات تحت وطأة الظلم التي لا تطاق وكملجأ أخير لا مفر منه لانصاف المظلومين. ومن واجب الكنائس ايضا ان تظهر ان اقامة دولة فلسطين على أسس ديموقراطية وعادلة بين اليهود والمسلمين والمسيحيين هي المخرج الوحيد والدائم لحل الصراع”. ووجه عام 1976 رسالة الى الموارنة بعيد اندلاع الحرب اللبنانية يذكرهم فيها بثوابت كنيستهم وتاريخهم في لبنان، وان لا تخاف روما على القطيع الصغير لأنها تأسست في ايمانها على الصخر. إن الله يستقبل وجه الحب من لبنان. وكل من ارتضى الا يبقى له من قومه ودينه ووطنه الا ما تبقى من مارونيتك ومارونيتي. فالحب هذا هو ديني وايماني ولبناني”.