IMLebanon

نكاح الإكراه

 

هل يبالغ اللبناني  إذ يأمل في مرحلة هدوء (مجرّد مرحلة، وإن محدودة في الزمان) يرتاح  فيها القوم من هذه الصراعات العبثية التي ليس لها من نتيجة سوى إضفاء المزيد من التشنج على المواطنين الذين قرفوا، فعلاً، مما يعانونه جرّاء الخلافات التي باتت تصيبهم ليس فقط في لقمة عيشهم، بل خصوصاً في أعصابهم المهترئة أصلاً وفي أمانيهم وطموحاتهم المشروعة؟!

 

ونريد أن نرحّب في هذا السياق، بإتجاه التيارين الوطني الحر والمستقبل الى إعادة النظر في العلاقة بينهما التي  شهدت حفلة من القدح والردح طوال الأيام العشرة التي سبقت عيد الفطر السعيد، والتي أرخت بظلالها الثقيلة على العباد والبلاد،  وأوجدت  مناخاً عاماً أقل ما ُيقال فيه إنه أظهر التسوية التي تمت بينهما قبيل الانتخابات الرئاسية وكأنها «نكاح الإكراه».

 

ومن أسف كيف أنّ أي خلاف يتحوّل الى منحى طائفي مذهبي مقيت، وسرعان ما تُستنفر الصروح والمقامات، وكثيراً ما يجد الكثيرون من أصحاب العمائم  والقلانس أنفسهم في وسط معمعة هم، أصلاً، غير معنيين بها لا من قريب ولا من بعيد.

 

نعرف أنّ الخلاف على كل شيء هو «موضة» تيارية – قواتية.

 

فالحزبان المسيحيان الأكبران يمتهنان بـ»حرفية مدهشة» كيفية انتظار أحدهما الآخر على أي كوع… هذا نهج خبرناه وعايشناه واكتوينا بنتائجه المأساوية. حتى إن اجتماعاً تاريخياً، كذلك الذي انتهى  الى وثيقة معراب، لم يؤدِ الى طي  الصفحة بين الطرفين، بالرغم من الآمال التي عُقدت عليه، بعضها كان صادقاً وبعضها  الآخر الكثير كان نفاقاً بنفاق من قبل الذين ادعوا الترحيب بتلك المصالحة المفصلية، ولكنهم كانوا يعملون على تهديمها وإسقاط أسسها.

 

وكنّا نأمل أن تؤدّي التسوية السياسية التي عُرفت بــ»التسوية الرئاسية» ليس فقط الى استقرار الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، إنما أن تؤدي كذلك الى استقرار كبير في البلد. ويقتضي  الإنصاف بالاعتراف لتلك التسوية بأنها أسفرت عن مفاعيل ونتائج إيجابية عديدة.

 

ولكن يبدو أن ذلك لم يرقْ لغير  طرف وجهة وفريق وفئة وبالذات للبعض غير القليل من أهل هذا البيت أو ذاك من بيْتَي التسوية إياها. حتى إذا قام محّرض من هنا أو من هناك، من البرتقالي أو من الأزرق، أو من خارجهما، ليزايد في مسألةٍ ما كاد الدفّ «ينفخت ليتفرق العشاق» ولكن، تكراراً، نحمد الله أن بعض أصحاب العقول تدخل ليضع حداً لتلك الأيام الحارة التي سبقت العيد…

 

وعلى أمل أن يستمر هذا التوافق، وإن بالإكراه نلفت عناية ليس فقط التيارات والأحزاب التي ذُكرت أعلاه، إنما اللبنانيون جميعاً، الى أن البلد لم يتعافَ كلياً بعد، وأن الخضُات من شأنها أن تكون على كبير خطورة، وأن نظرة الى ما شاهدناه في طرابلس وما عايناه في دير الأحمر، وما يحاك للمنطقة برمّتها في دوائر القرار العالمي (…) تكفي ليتقي ذوو الألباب الله في ما يفعلون في حقّ وطن لا يزال في مهب الريح.