قلبه مع الشعب، لكن عقله وأفكاره وميوله كلها مع زواج استثنائي بين اليمين المتشدّد- وبعضه عنصري فاشي- ورموز الصقور من المحافظين الجدد الذين دافعوا بشراسة عن غزو العراق، رغم الكذبة الكبرى المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل.
قلب الرئيس الأميركي المنتخب، مع الشعب الذي ما زال تحت صدمة فوز البليونير الشعبوي. دونالد ترامب، سارع قبل ترك المتظاهرين الشوارع، إلى كشف توجهات إدارته «الغامضة»، باختيار شخصيات معروفة الميول والأفكار، وتشبثها بها لا يوحي بأن إدارة ترامب جدية في طمأنة الأميركيين والحلفاء الأوروبيين والعالم إلى أن البليونير سيكون «براغماتياً» كما قال الرئيس باراك أوباما، ولن يجرّهم إلى مزيد من الحروب بوقود تعصُّبٍ، هذه المرة.
يكفي أن ستيف بانون، الذي اختير مخططاً استراتيجياً للبيت الأبيض، هو نفسه صاحب موقع يصرّ على تفوّق العرق الأبيض، بالتالي صاحب مشروع قادر على إضرام شرارة حرب أهلية مع السود، وتفكيك الديموقراطية الأميركية بل تدميرها. ألا يكفي لإثارة الذعر أن بين أوساط الحزب الجمهوري مَن اعتبر أن اليمين المتطرف العنصري والفاشي يستعد لينضم إلى سكان البيت الأبيض، في عهد ترامب؟
ديفيد ديوك، القيادي سابقاً في تنظيم «كوكلاكس كلان» العنصري، لم يخفِ سعادته بانتخاب البليونير رئيساً للولايات المتحدة، كما فعل اليمين المتطرف في أوروبا، ناصحاً الجميع بانتظار المزيد من المفاجآت.
ولعل دونالد بتذكيره الأوروبيين بأن الوقت حان ليتحمّلوا قسطهم من فاتورة الدفاع عن القارة (70 في المئة تدفعها أميركا)، يكرر بصيغة أخرى ما قاله دونالد الأول، رامسفيلد أحد صقور المحافظين الجدد الذين نظّروا للحرب على العراق، وسخروا من «القارة العجوز».
تلقّف الاتحاد الأوروبي رسالة الانتخابات الأميركية، وشعارات الشعبوي الذي لم يستقر بعد على نهج واضح، إلا ما يتعلق بالإنفاق وبدعم إسرائيل، والعداء للمهاجرين والمسلمين. وربما لا يبطن الأمر مبالغة إذ اعتبر بعض مَنْ في «القارة العجوز» أن الرئيس الأميركي المنتخب مارس انتهازية بشعة، وهو يشدّد الضغوط على حلفاء في صفوف الحلف الأطلسي، فيما لا يزالون يعانون ارتدادات زلزال الهجرة إلى الشمال، هرباً من الجحيم العربي (سورية والعراق وليبيا…).
لكن مشكلة غالبية الأميركيين مع ترامب- حتى مِن الذين انتخبوه- أن شعاراته المضطربة قد تتحول سريعاً إلى قنابل موقوتة في الداخل، إذا سيطر التيار الفاشي على قرارات البيت الأبيض، مستغلاً جهل ساكنه الأول بالسياسة.
ومشكلة غالبية الأوروبيين مع عهد ترامب، وصعود فاشية اليمين المتطرف لن تقتصر على انعزالية متوحّشة، بذريعة معاداة النخبة، ما دام الفقراء هم الخاسر الأكبر في كل الأحوال. لا تكفي هنا وعود رمادية بزيادة الضرائب وتحسين الرعاية الاجتماعية، بمجرد إغلاق الحدود في وجه كل مَنْ هو «غير وطني». فمآل العنصرية هو حتماً إلى صدام مع أجيال من المهاجرين، فشلت أوروبا في دمجهم في مجتمعاتها. والمخرج السهل أمام دعاة الفاشية هو عودة إلى صدام الحضارات والأديان… فهل من المستحيل افتراض حروب أهلية «صغيرة»، خصوصاً أن معظم «الغرباء» منبوذ ينتمي إلى ديانة أخرى؟
مرعب أن نتخيّل كثافة القصف الجوي الروسي على شرق حلب، بعد ساعات على اتصال بين البليونير وقيصر الكرملين الذي ما زال مصرّاً على أن أول شروط التطبيع بين روسيا وأميركا، هو عدم تدخُّل واشنطن في «الشؤون الداخلية» لبلاده… حلب باتت شأناً داخلياً لدى القيصر، وما على دونالد المعجَب به إلا أن يتفرّج.
ألم يكن ذلك ما مارسه باراك أوباما بجدارة مكّنت النظام السوري من ترميم آلته العسكرية تحت المظلة الروسية- الإيرانية؟ وإن كانت طهران لم تكشف بعد مبررات توقّعها نهاية للحرب في سورية خلال آذار (مارس) المقبل، فالأكيد أن حليفها الروسي حريص على تعزيز ترسانتها رغم مخاوف العرب، ويسعى إلى حسم عسكري قريب، قبل التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة.
بعد تدمير العراق وخراب سورية، لِمَن الترسانة الإيرانية، في ظل الزواج المخيف بين الفاشية المعولمة وجنون العظمة؟