لا مجال للبحث عن فرضيات وخيارات جديدة بديلة عن تثبيت التفاهم القائم بين تيار «المستقبل» والتيار الوطني الحرّ، المنبثق عن التسوية الرئاسية، وما أنتجت من حلول نقلت البلاد من الفوضى السياسية والدستورية والمخاطر الأمنية، إلى حالٍ من الاستقرار وانتظام عمل المؤسسات، بغضّ النظر عن المآخذ عليها، والخلل الذي اعترى هذه التسوية لمصلحة فريق على الآخر.
اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة سعد الحريري برئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل في السراي الحكومي يوم الاثنين، لم يخرج عن سياق التهدئة واحتواء التصعيد بين الفريقين، وما نتج عنه من أجواء إيجابية يؤكد المؤكد، إذ أوضحت مصادر مطلعة على أجواء لقاء السراي أن الطرفين «اتفقا على أن لا بديل عن التفاهم، وإن كان تفاهم الضرورة الذي يشبه زواج الإكراه». وأشارت الى أن «البديل عن التفاهم يقود الى صراعات لا تقتصر آثارها السلبية على التيارين والمرجعية السياسية لكلّ منهما، بل تصيب البلد بأسره وتدفع نحو فوضى مفتوحة على كلّ الاحتمالات».
وتنبّه المصادر المطلعة على اجتماعات الحريري بباسيل وكلّ القيادات السياسية، من أن «البلد يمرّ بمرحلة حرجة داخلياً نتيجة عملية طرابلس الإرهابية، والتحذيرات الأمنية مما قد يستتبعها من عمليات مماثلة، اضف الى ذلك الظروف الدقيقة اقليمياً ودولياً نتيجة التصعيد الأميركي ــ الإيراني والذي يهدد بوضع المنطقة على شفير حربٍ قد يجد لبنان نفسه في أتونها، وبالتالي لا بدّ من تفعيل العمل الحكومي في المرحلة المقبلة».
صحيح أن استمرار التسوية يشكل مصلحة للتيارين الأزرق والبرتقالي، ويكرس نفوذهما في السلطة، وفي تقاسم غنائم التعيينات الإدارية والقضائية والدبلوماسية والأمنية، لكنها في نفس الوقت هناك مصلحة للبلد، لذلك فإن لقاء الحريري ــ باسيل لم يكن مجرّد جلسة عتاب ومصارحة لإصلاح ما أفسدته تصريحات رئيس التيار المسيحي الأقوى عن السنيّة السياسية، بقدر ما تناول الأبعاد الخطيرة لأي مواجهة سياسية بينهما، من هنا ترى المصادر أن «جلسة «غسل القلوب» انتهت الى اتفاق الطرفين، على تحقيق أمرين أساسيين، الأول إقرار الموازنة سريعاً من دون تعديلات تشوهها، والثاني وضع برنامج «سيدر» موضع التنفيذ قبل نهاية شهر تموز المقبل».
ولا تخفي مصادر تيار «المستقبل» أن الحريري «ناقش مع باسيل بالعمق حراجة الوضع الاقتصادي، وهذا الأمر كرره مع رئيس حزب «القوات اللبنانية «الدكتور سمير جعجع في لقائهما الذي عقد مساء الثلاثاء، إذ جرى التركيز على ضرورة المضي بالإصلاحات المالية والاقتصادية، ومنع زيادة النفقات في موازنة العام 2020، التي باشر وزير المال علي حسن خليل بالتحضير لها، وهو ما ترجمه جعجع بالقول «متفقون مع «المستقبل» على مناقشة الموازنة بكل انفتاح». وهذا ينسحب على الكتل النيابية الأخرى، إذ تكفي الإشارة الإيجابية التي أعطاها رئيس مجلس النواب نبيه برّي تجاه رئيس الحكومة بتأكيده أن «البديل عن الحريري هو الغرق».
لا شكّ أن علاقات الأطراف السياسية دخلت مرحلة جديدة من المساكنة، على حدّ تعبير مصادر «المستقبل» التي أكدت أن الحريري وباسيل «شددا على دعوة نواب وقيادات وكوادر التيارين على التزام التهدئة، والكفّ عن إطلاق تصريحات وسجالات تعيد توتير الأجواء الى ما قبل عودة الحريري من عطلة عيد الفطر المبارك، لأنها تتعارض مع ما تم التوافق عليه سواء على طاولة مجلس الوزراء، أو في مجلس النواب أو حتى في اللقاءات السياسية»، مشيرة الى أن رئيس الحكومة أبلغ وزير الخارجية، أن «التضامن الوزاري هو الأهم في هذه المرحلة، إذ لم يعد مقبولاً تحميل فريق «المستقبل» أو أي طرف آخر مسؤولية القرارات غير الشعبية المتخذة في الموازنة، حتى لا يزّج فريق واحد في مواجهة التحركات الشعبية والنقابية، فيما يتنطّح الآخرون بإطلاق خطابات تعبئة، لا تقدّم للناس حلولاً بقدر ما تساهم في تأجيج الغرائز.
وعلى قاعدة «لا تكرهوا شيئاً عسى أن يكون خيراً لكم»، فإن الأزمة التي عصفت بعلاقة الحريري وفريقه، مع باسيل وتياره، لم تكن سيئة بكل جوانبها، وبقدر تأثيراتها السلبية على جمهور الفريقين، الا أنها كانت مدخلاً لصيانة التسوية الرئاسية، وإزالة الكثير من الشوائب التي اعترت هذه التسوية وكادت تتحوّل عبئاً على أطرافها، لكنّ ترميم التسوية يعزز القلق لدى أطراف أخرى مثل «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، وترقبها من أن تأتي على حسابها، خصوصاً في التعيينات، بدليل تحذير النائب السابق وليد جنبلاط من «صفقة القرن» التي يدبرها صهر العهد على حساب باقي اللبنانيين، شبيهة بصفقة العصر التي يطبخها صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حساب القضية الفلسطينية