Site icon IMLebanon

“الجوازة دي مش ممكن تتمّ”

 

بكلفة قد تتخطّى العشرين والثلاثين ألف دولار

 

شاهد المدعوون الـ 400 العروس تصل على ظهر حمار، عبر دربٍ تُجانبه رؤوس من الغنم والماعز والخنازير والابقار وعشرات الدجاجات والديوك، التي أُحضِرت خصيصاً من سهل البقاع، تلبيةً لرغبة العروسين، بتحويل المكان إلى مزرعة ليكتمل مشهد “عرس قروي” وفي الهواء الطلق قرب العاصمة بيروت. حفل الزفاف النوعي والطريف و”المكلف”، نظمته شركة “بلاتينوم كوميت” لتنظيم حفلات الأعراس، قبل 11 سنة مضت، فيما لجأت شركة أخرى لاستحداث قناة داخل صالة الاستقبال، لتصل بعدها العروس في قارب على الماء، في حفل زفافٍ مفعمٍ بالجو الرومنسي شبيه بأجواء البندقية، نزولاً عند طلب العروسين، في عرس وصلت تكلفته إلى مليون دولار.

وتطول سُبحة رغبات العروسين لتكبر معها تكاليف “ليلة العمر” لتتحول إلى”ديون العمر” عند البعض، الأمر الذي دفع بالشاب أيمن حمود وعروسه هذا العام إلى الإستعاضة عن الحفل المُكلف، بالإحتفال بزفافهما على طريقتهما الخاصة برفقة أصدقائهما على “حلبة الدريفت”. خطوةٌ وصفت أيضاً بالمميزة من رواد التواصل الإجتماعي خصوصاً بعد قراءتهم بوست للعروس على صفحتها على الفيسبوك “اعتبروه بوست تشجيعي لكل تنين مستصعبين فكرة الزواج من ورا فكرة العرس وتكاليفو التافهة اللي هيي كبيرة وبلا طعمة وما رح تقدم وتأخر غير تزيد عليكن ديونات لولد الولد…”.

 

“نعم”.. كلمةٌ واحدة تقلب حياتك رأساً على عقب، وتغيّر جذرياً في طريقة عيشك. قرارٌ لا عودة عنه – إلا بالطلاق أبغض الحلال- ينقلك من حياة العزوبية إلى حياة الزوجية والعائلة المستقبلية التي يحلم بها كلّ مقبل على الزواج… ولكن هذه الـ”نعم” الأبدية، لها تكاليفها الباهظة، بعد أن أصبحت اليوم حكراً فقط على ميسوري الحال، إن صحّ القول.

 

 

 

بين 5 و30 ألف دولار وأحياناً مليون دولار

 

وفي هذا السياق تكشف دراسةٌ أجرتها شركة الإحصاءات والأبحاث “الدولية للمعلومات” في النصف الثاني من العام 2018 أن المعدل المتوسط لكلفة الزفاف البسيط في لبنان وصل إلى 7600 دولار، حيث تتراوح التكاليف بين 5 آلاف دولار لذوي الدخل المحدود وصولاً إلى 30 ألف دولار لذوي الدخل المتوسط، والذين يلجأ معظمهم للاستدانة المصرفية لتغطية التكاليف، في حين يتنافس أبناء الطبقات الثرية في إقامة حفلاتٍ خيالية، شاهدنا نماذج منها، تقوم بتنظيمها شركات خاصة ويحييها فنانو الصف الأول، لترتفع تكلفة “ليلة العمر” إلى أكثر من مليون دولار أحياناً.

 

وفيما يتراوح مهر العروس عند أبناء الطوائف المحمدية بين 50 و 150 الف دولار (وفق الدراسة نفسها) لا تزال العادات والتقاليد تختلف لجهة دفع تكاليف حفلة الزفاف بين القرى والمدن اللبنانية، ففي الأولى يتكفل العريس عادةً بجميع مصاريف الزفاف وبشراء أثاث المنزل، ودفع ثمن فستان العروس وغير ذلك، وفي بعض المدن تعتبر تكاليف حفل الزفاف من واجبات أهل العروس، ويبقى على العريس دفع المهر وشراء المنزل والأثاث، في حين أن بعض اللبنانيين أبعدوا هذا الموضوع من العادات المحلية وجعلوا التكلفة مشتركة بين الطرفين.

 

تراجع هائل في الحجوزات

 

ولا تزال تقاليد المجتمع تفرض تحدياتٍ كبيرةً للمقبلين على دخول “عش الزوجية”، ولا سيما تلك المتعلقة بالكماليات، والتي يراها بعض العرسان من الضروريات وهذا ما تؤكده راشيل الأسمر “مديرة شركة Dream Makers لتنظيم الأعراس”: “هناك قسم من العرسان يهمه “البريستيج” فنراه يُركز على الأمور السطحية وليس الأساسية والمهمة، والشباب اللبناني بات يحتاج لوقت طويل ليقتنع بالتخفيف منه، فهو من أكثر المشاكل التي نواجهها مع العرسان، ومن بينها: كيف يمكن أن أظهر بأنني دفعت تكاليف باهظة؟ كيف يمكن أن أجعل عرسي أجمل من عرس فلان؟”.

 

وحول واقع حفلات الأعراس حالياً تكشف أنه تم إلغاء عشرات الحجوزات منذ اندلاع الثورة في 17 أكتوبر، فيما تم تأجيل قسم منها إلى مواعيد غير محددة، وقسم قليل بقي حريصاً على الموعد من دون تعديل، لافتةً إلى أن التراجع كبير ويترواح بين 80 و90 % في العاصمة بيروت وفي المدن الكبرى، قياساً إلى الأعوام الماضية،مشيرةً إلى أن بعض العرسان أبلغونا وبنبرة المستسلم بأنهم سينظمون عرساً متواضعاً و”على قد الحال” بسبب الظروف الراهنة.

 

وتوضح الأسمر أن كلفة الأعراس المتواضعة تتراوح بين 20 و30 الف دولار (وهي تشمل الحد الادنى من التفاصيل المطلوبة)، فيما تتراوح التكلفة لدى عرسان الطبقة المتوسطة بين 100 ألف و200 ألف دولار (وتشمل كل تفاصيل الزفاف)، لترتفع التكلفة عند عرسان الطبقة الغنية إلى مليون دولار (ونسبة هؤلاء متدنية)، وهذا كله كان قبل الثورة.

 

وبعد أن كان المعيار الذي يتحكم بارتفاع تكاليف حفل الزفاف هو الإهتمام بالتفاصيل بطريقة فنية وإبداعية ترتكز على النوعية (quality)، تُضيف أن فكرة تنظيم حفل زفاف في لبنان لم تعد مشجعة كثيراً، إذ بات العروسان ينظمان عرس زفافهما خارج لبنان مع عدد من الأصدقاء والأقارب في بلدان كقبرص، مؤكدةً أن بعض العاملين في هذا القطاع باتوا يتلقون منذ شهر تقريباً فرصاً للعمل في العالم العربي والعالم، بعد تراجع هذا القطاع، ومعه تراجع تنفيذ الأفكار الإبداعية في الحفلات.

 

والواقع أن لبنان يعاني منذ سنوات من تنامي معدلات البطالة (خصوصاً في صفوف الشباب) والفقر، وقد بلغت نسبة الفقر 50 في المئة في الأشهر الأخيرة، إذ تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً، ما يقف حائلاً أمام الشباب اللبناني دون الزواج.

 

ولعل هذه العوامل تشكل دافعاً ليقارن العروسان الجهود التي يبذلانها في تأمين مستلزمات الزواج بدءاً من مستلزمات البيت وأثاثه وثياب العروسين وسيارة العرس والحفل وما إلى ذلك من تجهيزات العرس، وصولاً إلى مخطط شهر العسل. لنطرح السؤال:أما حان الوقت لمواجهة الحقائق ومعرفة الذات والطرف الآخر المتمثل في “من هو/‏ هي ومن أنا ؟! كي لا يقعا فريسة “مصيدة الطلاق” الذي وصلت نسبته الى 20% في العام 2018 وهي”مرشحة للإزدياد بشكلٍ كبير” ربطاً بوجود حالات طلاق أو انفصال غير مُنفذة بسبب الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة.

 

 

 

إحسب حسابك

يحتاج العروسان إلى بعض التجهيزات الأساسية، والتي تصل تكاليفها إلى ما يقارب 10000 دولار، موزعةً ما بين فستان العروس، والذي يتراوح ثمن استئجاره بين 1000 و6000 (لأن غالبية العرسان تلجأ إلى الإستئجار وليس للشراء)، وبدلة العريس 300 و1500 دولار، مروراً بتكاليف تزيين الشعر والماكياج التي تبدأ بـ 500 لتصل إلى 2000 دولار، ووصولاً إلى خاتمي الزواج وسعرهما الأدنى بـ 500 دولار ويصل إلى الآلاف من الدولارات، ناهيك عن بعض المتطلبات الأخرى، وليس غريباً أن يصل سقف هذه التكاليف إلى10000 دولار أي نحو 22 ضعف الحد الأدنى للأجور.