ثلاثة وثلاثون عاماً مضت؛ على استشهاد المفتي المظلوم الشيخ حسن خالد وما زال جرح وطنه نازفاً؛ والشعب اللبناني قبائل وعشائر وجماعات متعددة الولاءات؛ وصراعات المنطقة ومشاريع خصومها المتناحرة؛ تفتك بجسد الدولة اللبنانية ومؤسساتها؛ وما زالت المربعات الامنية منتشرة؛ ومشاريع الدويلات المذهبية والطائفية المدعومة من الخارج بحجة تحرير القدس وما حولها؛ هي المتحكمة بمفاصل المناطق والتجمعات الهائمة والمسيرة غرائزياً؛ وما زالت اعلام الطوائف والاحزاب والحركات والتيارات تتقدم على علم الوطن اللبناني وسيادته وحريته؛ وحتى على عروبته العاقلة. دمك ايها المفتي الشهيد بعد ثلاثة وثلاثين عاماً؛ ودماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من الشهداء؛ والشهداء الاحياء بعد سبعة عشر عاماً؛ ما زال جارياً ومتدفقاً على ارض لبنان ليروي عروبته؛ ويحصِّن وحدته؛ وينعش حريته؛ وما زال الدم اللبناني والجرح الوطني يترقرق دموعاً حزينة؛ في عيون اطفال لبنان وشبابه وشاباته؛ الذين حرموا من مدارسهم؛ ومعاهدهم وجامعاتهم؛ ولا زال الجرح بائناً وظاهراً على شفاه افواه الفقراء والمحتاجين واطفال الشوارع في المدن والتجمعات، والعاطلين عن العمل وما اكثرهم؛ الذين يبحثون عن مورد رزق، وعن الماء والكلأ والكهرباء والمحروقات؛ وعلى بقايا الطعام في ازقة الشوارع ؛ وعلى مراكب الموت الهاربة الى ما وراء البحار؛ للوصول ببعض من تبقى منهم؛ الى بلاد الاغتراب؛ والهجرة من وطن الارز الخالد؛ الذي حوّله «حزب الله» وحليفاه ميشال عون وجبران باسيل الى وطن جهنمي لا يبقي ولا يذر من شدة الغلاء والضياع والاحباط والتعصب والعنصريه والاستعلاء وفائض القوه لدى البعض؛ والعداء المفرط لكل بلد عربي شقيق او لكل دولة صديقة ووفية.
ثلاثة وثلاثون عاماً؛ وما زال المفتي الشهيد حاضراً في عقول وقلوب اللبنانين وخاصة المسلمين منهم؛ في كل ازمة او استحقاق وطني؛ او مرحلة من مراحل عذاباتهم؛ وهو الحاضر معهم بمواقفه الشجاعة؛ وطهره ونظافة كفه؛ وزهده بمتاع الدنيا؛ وتواضعه؛ وحلمه وعلمه؛ وبوطنيته الصادقة؛ وعروبته الاصيلة وايمانه الكبير؛ وحبه للبنان وعيشه المشترك.
وما زالت مستمرة اصداء زياراته ومؤتمراته ولقاءاته مع الملوك والرؤساء والامراء لانقاذ لبنان بوحدته؛ تتردد في اروقة عواصم القرار العربي في الرياض والقاهرة ودمشق وبغداد وابوظبي والكويت والجزائر؛ لتولد بعد مخاض عسير (وثيقة اتفاق الطائف) التي انهت الحروب العبثية في لبنان؛ برعاية كريمة ومباشرة من المملكة العربية السعودية وقيادتها ملكاً وولي عهد وحكومة وشعباً ؛ ومعها الاشقاء العرب؛ والاصدقاء؛ ليحيا لبنان مجدداً بالاحتضان والدعم العربي الشقيق.
ايها المفتي الشهيد في ذكرى استشهادك؛ ها هي المملكه العربية السعودية ؛ مملكة العرب ودولة المسلمين؛ كعهدك وعهدنا بها تتعالى عن اساءات الصغار من بني قومنا؛ فتكرِّم ذكرى استشهادك؛ في مقر بعثتها بمبادرة كريمة من سفير خادم الحرمين الشريفين الاخ والصديق وليد البخاري؛ وتحتضن مملكة الخير والوفاء مجدداً؛ قضية لبنان وشعبه؛ كما تحتضن كل قضايا العرب والمسلمين. المفتي الشهيد (شهيد الرسالة) عنوان التكريم الذي اراده سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان؛ بحضور اسلامي ووطني جامع؛ ليكون تكريم المفتي الشهيد في ذكرى الاستشهاد، تكريماً للبنان الدولة والوطن الحر المستقل بكل أطيافه؛ وهو رسالة اخوة وحياة من المملكة العربية السعودية وقيادتها الى لبنان؛ بدلاً من رسائل الموت والدمار والدموع والدماء التي يحملها المشروع الايراني واذرعه في شرقنا العربي بحجة مقارعة المشروع الصهيوني المعادي على ارض فلسطين وما حولها. شكراً للمملكة العربية السعودية وقيادتها؛ وشكراً لسفير خادم الحرمين الشريفين، الذي كرم المسلمين واللبنانيين جميعاً بتكريمه لذكرى استشهاد المفتي المظلوم الشيخ حسن خالد؛ شهيد الرسالة؛ رسالة وطن يبحث عن ذاته؛ بين المشاريع المتصارعة على ارضنا اللبنانية والعربية.