اللبنانيون يفتقدون الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس في ذكرى إستشهاده فقط، بل في كل يوم من السنوات السوداء التي يعيشونها، وما تحمله من مآسٍ نزلت بهم، منذ الإنفجار الجهنمي الذي لم ينسف موكب الرئيس المصفح وحسب، بل أطاح بمقومات الإستقرار والإزدهار الذي عاشه البلد مثل حلم ليلة صيف.
اللبنانيون يفتقدون بغياب رفيق الحريري، رجل الدولة، رئيس النهوض الاقتصادي والإنمائي، رائد مشاريع البنية التحتية، صاحب الإنجازات العمرانية الكبيرة.
غاب صاحب الرؤيا والبرامج التنفيذية التي تُسابق الزمن، من إعادة الحياة إلى وسط بيروت الذي تحول إلى نموذج عمراني يجمع بين التراث والحداثة، الى بناء المطار الجديد، وإعمار المدينة الرياضية في بيروت والملاعب الرياضية في المناطق، وإقامة المستشفيات والمجمّعات المدرسية، وإنجاز مباني كليات الجامعة اللبنانية، وتنفيذ الأوتوسترادات من الناقورة جنوباً إلى حلبا شمالاً، فضلاً عن إنشاء مقرات للعديد من الوزارات والإدارات العامة، وعادت الكهرباء على مدار الساعة.
بعد رفيق الحريري توقفت عجلة المشاريع، وحلت العشوائية مكان البرامج التنفيذية، وإنعدمت الرؤيا في مواقع القرار، بعدما عمّ الفشل وإنتشر الفساد، وسادت الصراعات المصلحية والأنانية بين أهل السلطة.
في سنوات رفيق الحريري عاد لبنان إلى مكانته العربية، وأحتل مركزاً لائقاً على الخريطة الدولية، وعُقدت المؤتمرات العالمية في باريس للبحث في تقديم الدعم والمساعدة للبلد الخارج من حرب مدمّرة، وترسخت الثقة الداخلية والخارجية بالسلطة المنبثقة عن إتفاق ودستور الطائف، وإزدهرت مواسم السياحة على مدار السنة، وعمّت البحبوحة مختلف المناطق.
مع رفيق الحريري حصلت المقاومة الإسلامية على شرعيتها الدولية بعد حرب ١٩٩٦، وتم تحييد الأهداف المدنية من الإعتداءات الإسرائيلية، وإستطاع لبنان أن يوازن بين متطلبات النهوض، ومراعاة أوضاع المقاومة.
بعد رفيق الحريري تعرضت معادلات البلد الداخلية، وتوازناته الوطنية للخلل، وتعثرت الحركة السياسية، وتعطلت الإستحقاقات الدستورية، وتم التمديد لمجلس النواب أكثر من مرة، وحاصر الشغور مركز رئاسة الجمهورية مرّات أيضاً، وبات تشكيل الحكومات يتطلب أشهراً من حوار الطرشان بين الأطراف السياسية، وإنقطعت حبال التواصل بين المعنيين، وأهتز حبل الأمن ووصل البلد إلى شفير الحرب الأهلية، على إيقاع مسلسل الإنفجارات والإغتيالات التي أودت بحياة نخبة من السياسيين والإعلاميين.
غابت القامة الوطنية العملاقة، وإفتقد لبنان قيادة ديناميكية بحجم رفيق الحريري.
حاول سعد الحريري إكمال المسيرة، ولكن الأعباء كانت كبيرة، والعرقلات كانت كثيرة، وبقيت الإنجازات في خانة التمنيات. وأمعن الحلفاء في إحراجه أكثر من الخصوم، حتى تم إخراجه من السراي الكبير، ودفعه إلى تعليق نشاطه السياسي.
وبغض النظر عن الفراغ الذي تركه رئيس تيار المستقبل في المعادلة الوطنية، فإن عودته إلى الساحة السياسية تبقى رهن تغيّر المعطيات الداخلية والخارجية، التي دفعته إلى إتخاذ قراره الذي فاجأ جمهوره قبل خصومه.