لا ينقص من تقتله إسرائيل، «قصة» للحديث عنه، فبمجرد أن يُقتل على يد العدو، يكون قد حصل على القصة وأكثر. لكن للشهيدين حسن يوسف زبيب (بليدا ـــ 23 عاماً) وياسر أحمد ضاهر (النميرية ـــ 23 عاماً)، اللذين استشهدا أول من أمس في منطقة عقربا في ريف دمشق، إثر غارة جوية إسرائيلية، قصة تستحق أن تُروى فعلاً، تمتدّ على ما يقارب نصف عمريهما القصيرين. حسن وياسر، جمعتهما صداقة بدأت منذ أن كانا زميلين في الصف المدرسي منذ سنوات التعليم المتوسط في مدارس المهدي في ضاحية بيروت الجنوبية. صداقتهما التي كانت تكبر معهما، وتنتقل معهما في مراحل دراستهما الثانوية ثم الجامعية، كانت استثنائية بحق، كما يروي زملاؤهما وأصدقاؤهما.
منذ خمس سنوات تقريباً، بعدما أنهيا الدراسة الثانوية، تقدّم الصديقان ياسر وحسن، عبر التعبئة التربوية في حزب الله، بطلب الحصول على منحة للدراسة الجامعية في إيران. أحد أصدقائهما يذكر أنهما «تعاهدا على ألا يسافر أحدهما من دون الآخر للدراسة، في حال لم يُقبل طلباهما معاً». كما أنهما «اتفقا على أن يكونا معاً في الاختصاص الجامعي نفسه، والسكن نفسه». وكان لهما ما أرادا، إذ تم منحهما منحتي الدراسة، وسافرا معاً في اليوم نفسه الى مدينة قزوين الإيرانية لدراسة ما يُعرف بين الطلاب الأجانب بـ«سنة اللغة»، وهي عبارة عن عام دراسي كامل يمتد على ما يقارب 8 أشهر يقضيها الطلاب في دراسة اللغة الفارسية. درس الطالبان سنة اللغة، وأقاما في غرفة واحدة في السكن الجامعي طوال مدة الدراسة تلك، وتعززت صداقتهما لتبلغ مرحلة «الأخوّة» الحقيقية، كما يروي من كانوا معهما ذلك الوقت.
بعد إنهاء دراسة سنة اللغة الفارسية في قزوين، كان عليهما أن يواجها تحدياً لصداقتهما، إذ جاء تصنيف كل منهما على غير ما كان يريدانه. «ياسر الى مشهد، وحسن الى أصفهان»، أبلغهما الشخص المعني بالتصنيف عن وجهة كل منهما التالية. «لم يستطيعا تقبّل الأمر، قامت قيامتهما ولم تقعد»، يقول صديق عايش معهما تلك الفترة. وعلى الرغم أنهما التحقا بجامعتيهما، كل على حدة، إلا أنهما لم يتركا طريقة لم يجرباها لينتقل أحدهما إلى عند الآخر فيجتمعان. يروي طالب، كان مع الشهيد حسن زبيب في تلك الفترة، كيف كان «لا يُرى ضاحكاً، وفاقداً للرغبة في الدراسة، ولا يريد شيئاً إلا أن يكون برفقة صديقه ياسر». وبعد محاولات مضنية، وإلحاح شديد، وافق المعنيون على أن ينتقل الطالبان ياسر ضاهر وحسن زبيب، الى جامعة واحدة، وكان الخيار جامعة الإمام الحسين (ع) في طهران، حيث درسا اختصاص «هندسة الطائرات». وهناك مجدداً، استعاد الشابان روحيهما المرحتين.
درس ضاهر وزبيب اختصاص «هندسة الطائرات» في إيران
يروي أحد المعنيين بشؤون الطلاب في إيران أن الشهدين ياسر وحسن «كانا يعلمان منذ دخلا جامعة الإمام الحسين (ع) في طهران أن فرص عملهما في المجالات المدنية قد تكون متدنية جداً، إذ إن هذه الجامعة، وهي جامعة خاصة، لا يُعترف بشهادتها في أغلب دول العالم، ومنها لبنان». لكن ذلك لم يثنهما عن الخوض في التعلم في هذه الجامعة، لأنهما كانا أصلاً قد اتخذا القرار مسبقاً بالانضمام مباشرة الى صفوف المقاومة، واستغلال ما تعلماه في إيران في سبيل تطوير قدرات المقاومة ورفع جاهزيتها. وهكذا، مضى الشابان معاً أيضاً، في مجال العمل نفسه ضمن تشكيلات المقاومة، وكما في الجامعة كانا في العمل لا يفترقان ولا يترك أحدهما الآخر، وكانا يلحّان على مسؤوليهما لكي يكونا دائماً في المكان والزمان نفسه. وعلى هذا المنوال، كان المقاومان حسن زبيب وياسر ضاهر يناوبان معاً في منزل تشغله المقاومة في منطقة عقربا في ريف دمشق، قرب طريق المطار، ليلة الهجوم الإسرائيلي الغادر. كانا هناك مع مقاومين آخرين، يعملون كما في كل يوم، ويعدّون العدة لضرب العدو في مواضع لم يختبرها بعد. وفي انتظار يوم آت حتماً، تطلب فيه منهم القيادة القيام بمهمتهما ضد العدو، كان حسن وياسر، ليلة ليل السبت – الأحد، على عهدهما بعدم الافتراق أبداً، فجاءهما الموت، على عكس عادته، كمفرّق للأحبة، ليجمع بين روحيهما الى الأبد كما أرادا.