IMLebanon

رحل برتبة شهيد

 

اتّحد اللبنانيون على مختلف مشاربهم في وصف مصرع الرقيب في الجيش اللبناني عبد الكريم المقداد بـ»الشهادة». وهذه الوحدة لم تظهر قبل استشهاد المقداد طوال فترة المواجهات التي بدأها «حزب الله» في 8 تشرين الأول الماضي ضد إسرائيل انتصاراً لحركة «حماس» في غزة. فـ»الحزب» وصف ولا يزال عناصره وهم بالعشرات الذين سقطوا في المواجهات بـ»الشهداء». لكن اللبنانيين الذين لم يؤيدوا «الحزب» ولا يزالون في كل تصرفاته تقريباً، اعتبروا ضحايا الأخير (المأسوف على شبابهم) بأنهم قتلى.

 

في النصف الملآن من الكأس، وحّدت شهادة المقداد اللبنانيين. لكن في النصف الفارغ منها، ما زال الانقسام قائماً حول القضية التي سقط من أجلها الرقيب الشهيد وجرح رفاقه. فعلى ضفة «حزب الله»، عنْون موقع «العهد» الاخباري الالكتروني رحيل المقداد بـ»شهيد الجيش اللبناني… تكريس للمعادلة الذهبية (جيش شعب، ومقاومة)».

 

أمّا على الضفة المقابلة، التي تضم كل أطياف السياديين والمعارضين والمحايدين، فينظرون إلى الأمر من زاوية مختلفة. فهم مؤمنون بأنّ إستشهاد الرقيب المقداد هو للدفاع عن لبنان، دولة واحدة ذات سيادة كاملة على أراضيها، لا شريك لها في حمل السلاح، وتحديداً «حزب الله». وبموجب هذا الايمان، إستشهد المقداد وجرح رفاقه بموجب القرار 1701 الذي لولاه لما وطأت قدما الشهيد وأقدام رفاقه الجرحى أرض الجنوب التي كانت محرّمة عليهم بصفتهم الرسمية هذه لولا هذا القرار عام 2006 الذي يرفضه «الحزب» ولا يزال.

 

وإلى موضوع ذي صلة: مات قريبي الثمانيني، وتحديداً بعد وفاة هنري كيسنجر بأيام. لم يعش محمد علي مثل كيسنجر حتى المائة. لكنه عاش بما يكفي كي يروي ذات يوم على مسامعي قصص اللاجئين اليهود الذين تدفقوا من أوروبا قبل أعوام من قيام دولة إسرائيل عام 1948. النبأ السار، إذا جاز التعبير، أنّ محمد علي فارق الحياة في القرية التي عاش فيها على الساحل الجنوبي والقريبة من الناقورة التي هي آخر الحدود بين لبنان وفلسطين أيام الجنرال غورو والبطريرك الحويك عام 1920 ، قبل أن تقوم الحدود بين لبنان وإسرائيل بعد 28 عاماً على يد جنرالات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

 

أما لماذا النبأ السار؟ فهو يعود إلى أنّ محمد علي التحق بزوجته بعد أشهر من وفاتها وبقي في المنزل، على الرغم من أنّ الحرب تجددت في المنطقة الحدودية، ما أجبر الجنوبيين في غالبيتهم على النزوح من ديارهم.

 

ليس بعيداً أن يكون المدفعجي الذي صوّب ولا يزال، القذائف التي انهمرت على الشريط الساحلي الجنوبي الحدودي منذ 8 تشرين الأول الماضي هو من أحفاد اللاجئ اليهودي الذي مرّ وعدد من بني قومه بقرية محمد علي. وحاول اللاجئ بما أسعفه النطق بلغة غير العربية كي يسأل هل هذا الطريق الذي كان يسلكه ومن معه يصل إلى ساحل فلسطين؟ فَهِم سكان القرية مقصد السؤال وردوا بالإيجاب. وقال لي محمد علي يوماً: «لم يخطر في بالنا اطلاقاً أنّ هؤلاء العابرين للساحل الجنوبي هم من سيكونون رعايا دولة إسرائيل».

 

بالنسبة لي، يعتبر محمد علي شهيداً. فالبقاء في الجنوب، وتحديداً في المناطق الحدودية، هو فعل شهادة. أمّا من سعى ولا يزال إلى اقتلاع الجنوبيين من أرضهم بذريعة نصرة «حماس» أو بذريعة الرد على مصادر النيران، فهؤلاء قتلى ولو كانوا على قيد الحياة.