Site icon IMLebanon

مقاومة مستمرّة حتّى الاستقلال الثالث

 

يقيم حزب القوّات اللبنانيّة غدًا الأحد، الخامس من أيلول، قدّاساً إلهيّاً في معراب عن راحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانيّة، تحت شعار اتّخذه هذه السنة ” مقاومة مستمرّة”. ويأتي قدّاس الشهداء هذه السنة في ظروف أكثر من استثنائيّة، لعلّ أبرزها مضي عام ونيّف على جريمة تفجير مرفأ بيروت، جريمة بحجم وطن، وما زالت التحقيقات مستمرّة. فضلاّ عن حال اجتماعيّة واقتصاديّة كارثيّة. إضافة إلى ذلك كلّه، سبق هذا القدّاس، يوم الأربعاء في الأوّل من أيلول بيان للمطارنة الموارنة يرتقي إلى مستوى نداء أيلول للعام 2000 الذي أطلق مسيرة الاستقلال الثاني. فهل يطلق جعجع يوم الأحد مسيرة الاستقلال الثالث على قاعدة المقاومة المستمرّة؟

 

مَن لا يعرف الرّجل يظنّ للوهلة الأولى أنّه يطلق بروباغندا إعلاميّة انتخابيّة كما بدأها غيره بجولاته المازوتيّة على القرى، لكن مَن يعرف جعجع جيّدًا يدرك أنّه لا يحبّ المزاح لا سيّما في القضايا الوطنيّة. وهو الذي استشعر الخطر منذ لحظة خروجه من معتقله السياسي، وحاول أن يفهم طبيعة تفكير “حزب الله” السياسي، وأدرك جيّداً الرّجل أنّ هذا الحزب ليس مجرّد حزب سياسيّ بل إنّه منظّمة عاملة في أمّة ذات إثنيّة دينيّة مذهبيّة، في بوتقة ما يسمّونه هم “ولاية الفقيه”. وهو أي الحزب، فصيل صغير في جيش هذه الولاية. فبالنسبة إليهم لا وجود للبنان الحرّيّة والسيادة والاستقلال.

 

أمّا عمليّاً على أرض الواقع فقد نجحت هذه المنظّمة بقضم سيادة لبنان منذ لحظة تحويلها الأرض اللبنانيّة إلى ساحة لمواجهة العدوّ الإسرائيلي يوم أطبقت على أشكال المقاومة كلّها. والاستقلال حدّث بلا حرج. فقد تحوّل لبنان معها إلى دولة مارقة لا استقلال فيها لأنّ قرار الحرب والسلم ليس ملكاً للدولة. ناهيك عن أشكال الاحتلال المسلّح التي ظهّر أبرزها في ذلك السابع من أيّأر في العام 2008، يوم صار لبنان رسميّاً تحت الاحتلال الايراني. وقد جسّد هذا الاحتلال بتحايلاته الانتخابيّة ترهيباً وترغيباً عندما نجح بالانقلاب على قانون الانتخابات وحصد أكثريّة نيابيّة بفضل ورقة 6 شباط 2006 التي نجح بواسطتها بتطويع جزء كبير من المسيحيّين الذين كانوا أحراراً قبلها.

 

وتبقى الحرّيّة الكيانيّة الأصيلة التي من دونها لن يكون لبنان. وهذه النعمة الإلهيّة لن نتخلّى عنها. ولهذه الغاية أطلق رئيس حزب القوات اللبنانيّة شعلة المقاومة من جديد، بكلّ ما يحمله هذا الشعار من مضامين يخافها بعضهم حتّى هذه الساعة. فالقوّات اللبنانيّة هي الحزب الذي يملك تنظيماً قوياً، وعقيدة صلبة، وإرادة صعب كسرها، إضافة إلى الخبرة الميدانيّة في أشكال المقاومة جميعها: العسكريّة والإضطهاديّة والسلميّة والبرلمانيّة والشعبيّة.

 

وما إطلاق هذا الشعر إلا استعادة لهذه الأشكال الخمسة. مع العلم أنّ الرّجل حريص على الدّولة وليس مستعدّاً للمغامرة بالإرث الذي حافظ عليه في بيروت الشرقيّة يوم كان وقتها قائداً للقوّات اللبنانيّة العسكريّة. فلو لم تحافظ القوّات على نواة الدّولة في منطقتها الحرّة، ولو لم تسلّم سلاحها للشرعيّة لما تمكّن لبنان من النهوض من جديد. هل يمكن أن يتخيل احدهم ماذا حصل لو لم تسلّم القوّات دولتها للدولة وسلاحها للجيش؟ كنّا حتّى هذه الساعة في جمهوريّة مسلّحة إلا بقواها الشرعيّة. باختصار لما عاد لبنان 10452 كم2. وهذا ما تريده هذه المنظومة والمنظّمة. هما تريدان الانتهاء من هذا اللبنان لبناء لبنان يشبههما بالفساد وبالغطرسة وبالارتهان.

 

لذلك كلّه، تمّ إطلاق شعار “مقاومة مستمرّة” كي لا يكون للمنظومة والمنظّمة ما يصبوان إليه. فالبصيرة التي يتحلّى بها هذا الرجل تضعه في كلّ مرّة يهتزّ الكيان والوجود في مواجهة من طبيعة وجوديّة للحفاظ على إرث الآباء والأجداد. ويخطئ مَن يظنّ أنّ جعجع لا يملك مشروعاً سياسيّاً كاملا ومتكاملاً منبثقاً من تطبيق روحيّة الوفاق الوطني في الطائف. لذلك همّه الوحيد هو الكتاب. أيّ الدستور، والحفاظ عليه. أمّا المنظومة والمنظّمة فلا توفّران أيّ جهد لضرب هذا الدّستور لاستبداله بما يلائم تطلّعاتهما. وهذا ما لن يتحقّق لأنّ المقاومة مستمرّة.

 

– مقاومة مستمرّة للحفاظ على الكيان بوجه محاولات تبديل وجهه ووجهته.

 

– مقاومة مستمرّة للحفاظ على الدّولة وما تمّ تحقيقه حتّى اليوم في مسيرة بنائها – على علاته – لتطويره وتحسينه.

 

– مقاومة مستمرّة لبناء لبنان الغد الذي سيكون حتماً على قدر طموح أولئك الذين استُشهِدوا ليبقى لبنان، وعلى قدر أحلام الأجيال الطالعة ليبقوا هم في لبنان.

 

– مقاومة مستمرّة لتحقيق الاستقلال الثالث والأكيد والذي سيكون ثابتاً لمئات ومئات من السنين في جمهوريّة قادرة وقويّة يُحتَرَمُ فيها الإنسان والقانون والحريّة.

 

– مقاومة مستمرّة ليبقى الأرز شعارنا لا السجّاد وليعود لبنان منارة الشرق الحضاريّة بالعلم والفكر والعمل.

 

– مقاومة مستمرّة لنعرف الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت إكراماً للأرواح التي زُهِقَتْ.

 

– مقاومة مستمرّة …. ليبقى لبنان.