تتميز الجرائم الدولية بالوحشية والقسوة. وقد عاشت البشرية خصوصا الملايين من الأطفال والنساء تحت وطأة الحروب والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وكانت هذه الجرائم من الفظاعة بمكان بحيث هزت ضمير الإنسانية بقوة.
لقد هددت هذه الجرائم الخطيرة السلم العالمي وكذلك امن البشر ورفاههم واثارت القلق في المجتمع الدولي بأسره ما استدعى التفكير بما يجب عمله كي لا تبقى هذه الجرائم دون عقاب بحيث يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابيرتؤخذ على مستوى الدول لتعزيز التعاون الدولي.
من هنا ظهرت حاجة ملحَّة للبحث عن آلية دولية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم. وتبين أن هذا لن يتحقق إلا عن طريق قضاء جنائي دولي مستقل يمارس اختصاصه على الجميع دون استثناء.
إن أول من جاهر بهذه الفكرة كان الفقيه السويسري» غوستاف موينير» ( (Gustave Moynier الذي كان أحد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي اقترح في العام 1872 مشروعا لإنشاء محكمة جنائية دولية وذلك من خلال مشروع اتفاقية دولية تعنى بإنشاء هيئة قضائية دولية لمنع وردع أي مخالفة لإتفاقية جنيف المتعلقة بقواعد الحرب.
راحت هذه الفكرة تتطور تدريجيا ابتداء من معاهدة «فرساي» سنة 1919 التي اكدت على انشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة امبرطور المانيا السابق وبعض ضباط الجيش الألماني لأدوارهم في اشعال الحرب العالمية الأولى والمشاركة فيها.
وبعد الحرب العالمية الثانية ارتكبت ابشع الجرائم ضد الشعوب وكان من نتيجتها ان دارت محاكمات «نورمبرغ» سنة 1945 لمحاكمة قادة عسكريين المان، ومحاكمات «طوكيو» سنة 1946 لمحاكمة قادة عسكريين يابانيين عن جرائم ارتكبتها القوات العسكرية التابعة لهم بأماكن مختلفة من العالم. وقد كرست هذه المحاكمات نظرية قانونية شهيرة هي مسؤولية التابع عن أعمال تابعيه.
ولكن وعلى الرغم من ذلك قد شهدت ايام القرن العشرين حصول افعال جرمية جسيمة بالغة الفظاعة مثلما حصل في يوغوسلافيا سنة 1993 وروندا في العام 1994 ما اعاد للأذهان فكرة إنشاء المحكمة الدولية الدائمة.
وفي العام 2002 ورد في «ميثاق روما» الذي أسس لقيام المحكمة الجنائية الدولية أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت الضمير الإنساني وسهلت نشوؤ خطر جدي يهدد السلم والأمن العالميين وانتهت هذه المعاهدة الى تقرير أن هذه الجرائم لا يجوز أن تمر دون عقاب.
لقد ولدت المحكمة الجنائية الدولية من رحم معاهدة روما وتأسست بصفة قانونية العام 2002 بعد أن صادقت 121 دولة على المعاهدة.
بموجب المادة الأولى من نظام روما الأساسي إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يشمل الجرائم الأشد خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره لأن في ذلك مصلحة للأجيال الحالية والقادمة. ولهذا السبب أن المحكمة هي محمكة دائمة وليست محكمة خاصة ولا مرور زمن على الأفعال التي تنظر فيها.
إن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هي: جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب إلخ…
تعتبر المحكمة الجنائية الدولية القتل العمد للمدنيين والنقل القسري لهم كما يحصل اليوم مع أهالي غزة جرائم ضد الإنسانية وجرائم ابادة جماعية.
كذلك تختص المحكمة بجرائم الحرب مثل الأفعال ضد الأشخاص والممتلكات اللذين تحميهم «اتفاقية جنيف 49»، كما تشمل تجويع المدنيين بحرمانهم من مواد العيش الأساسية التي لا غنى لهم عنها مثلما هو حاصل اليوم من خلال الحصار المضروب على غزة. وهذه الأفعال هي مثل صارخ عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم الماسة بالإنسانية.
* مدعي عام التمييز سابقاً