IMLebanon

يا ضيعان الشباب 2

 

بعد الأمس ككثير من اللبنانيين «ما إلي نفس» أن أقول أو أكتب حرفاً «لعدم كفاية الأدلة» مع يقيني التّام وثقتي بعدالة الله التي لا مفرّ للمجرمين منها الآن وإلى أبد الآبدين، مع معرفتي بأنّ المستفيد الأول من القانون في الغرب هو المجرم، وهذا ما تابعناه بالأمس في نهار طويل مخيّبٍ لآمال عقدها اللبنانيّون في انتظار، فإذا النتيجة لا حقّ ولا حقيقة ولا من يحقّون ولا يحزنون!

 

قبل أحد عشر عاماً، في 20 تشرين الثاني من العام 2009 كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «يا ضيعان الشباب» مقالة كانت دماء شهداء ثورة الأرز فيه ما تزال حارّة على وجوهنا وفي قلوبنا وفي عروقنا، كأنّنا من كثرة الخيبات في العام 2020 صرنا «بلا دم»!! في ذلك المقال كتبنا «ليس خيبة ما يشعر به الكثير من اللبنانيين، ولا إحباطاً وليس استكانة أيضاً، بل هي لحظة تأمّل عميق فيما يعتري المشهد السياسي اللبناني من نفاقٍ وخداع وتكاذب، مهما زُيّن بعناوين لمّاعة، هي حسرة ربما على شهداء سقطوا في عام واحد، كوكبة من خيرة شباب لبنان وقياداته وسرعان ما اكتشفوا أن دماء الشهداء تستعمل في السياسة استدراجاً لعروض توزير ونيابة، ويتأملون مشهد التصارع على الحصص وعدد الوزراء وأنواع الوزارات تحت عنوان تقديم الشهداء»، لم يختلف المشهد كثيراً اليوم أيضاً سيعيدون تقاسم الحصص على دماء الشهداء ـ كائناً من كان هؤلاء الشهداء ـ لم يخطر للبنانيين الذين أرهقهم تشييع الشباب جنازة تلو الأخرى أنهم سريعاً سيشاهدون كرامة الدماء وعنفوان الشهادة يكاد يضحي «جوائز ترضية»…

 

لقد أضعنا دماء شهداء ثورة الأرز منذ أعوام طويلة قبل أن تضيعها بالأمس عدالة الأرض، حزن اللبنانيين الحقيقي تراكم لكثرة ما قالوا: «ضيعان اللي راحوا».. والحسرة على «اللي راحوا» ليست حزناً على ضياع الدماء وحقوقها، بل لأن الساسة في لبنان لا يستحقون وليسوا أهلاً لحملِ أمانة دماء الشهداء»، وما يزالون!!

 

ثمة حاجة ملحة لدى كثير من اللبنانيين لأن يقولوا لكثيرين اليوم: «تباً لكم» و»للسياسة» و»للنفاق الأزلي» الذي تمارسونه باسم مصالحكم التي تغطونها بعنوان «مصالح الطوائف»، وأن يقولوا أيضاً لكثيرين من الذين لا يكفّون عن تصدير أمنياتهم   وتكرار اجترار مقولة بعد كلّ هذا الانتظار ليس علينا أن يخيب أملنا بإفلات المجرمين من العدالة لعدم كفاية الأدلّة، كان علينا أن نعرف أنّه منذ التحالف الرباعي الذي اختبأ تحته حزب الله تسبب لاحقاً بانفراط عقد 14 آذار، والتي ذبحت في 7 أيار 2008 واستبدل اتفاق الطائف باتفاق الدوحة، حتى أصبح لبنان اليوم يسمع من الحاضن الفرنسي نصائح عن نظام جديد، من فوق أشلاء المناطق المسيحية البيروتيّة العريقة المدمّرة بنيترات الأمونيوم وصواريخ غير معترف بها!!

 

يا ضيعان الشباب ودماءهم، يا ضيعان الذين ماتوا واحداً تلو الآخر من أجل إقرار المحكمة الدوليّة، من وقف على قبورهم بالأمس «ورندح» لهم مع المساء «يا ضيعانن راحوا»؟ ذهب من يذهب وبقي من بقي ، إسمحوا لنا لسنا  قطعاناً من الغنم ولا الماعز ويسير على رأس كلّ قطيع منها كرّازه، لسنا «خاتم في إصبع السياسيين»، فليأخذهم عصف نووي ويذروهم في فضاء بعيد، أو فتأخذهم عواصف الشتاء المقبلة ـ على البيوت المدمّرة والأبنية المتصدّعة والأبواب المخلّعة ـ وتُشرّدهم في بلاد لا يدري بهم أحدٌ فيها.

 

«رحم الله الشهداء، وبوركت دماؤهم التي ستزهر للبنان ربيعاً لا خريفاً منافقاً، وبورك في الذين ما يزالون على عهد دماء الشهداء باقين، وبارك في شعب لبنان الذي لا يُخدع ولا يُبدّل مهما حاولوا تبديلاً».