IMLebanon

“أعجوبة”… المليون ونصف!

كلما نشأت موجة توتر كلامية أو سياسية أو سواها من موجات الشحن العصبي، في زمن الانتظار اللبناني، تغدو عملية تضخيم الحوارات الداخلية الجارية اشبه بالوصفة الوحيدة لتعليق البلاد على خشبتها العائمة. وحسناً فعلت قمة بكركي الروحية الاخيرة بان لفتت الى كثرة الحوارات من دون افعال كبيرة تنتج عنها، اذ تحلى القادة الدينيون بعين نقدية موضوعية لئلا يغرق اللبنانيون اكثر بعمى الوهم والتضخيم المصطنع والافراط في ادمان التطبع مع الظروف الاستثنائية التي تمليها قسراً وعمدا أزمة الفراغ الرئاسي. نقول ذلك لنذكر مع انعقاد المؤتمر الثالث للمانحين في الكويت امس بان العامل الاول والأخير في قرار الهدنة اللبنانية، الذي تصوره بعض المخيّلات بأنه أعجوبة الابتكارات اللبنانية، هو ان لبنان يرزح تحت ثقل اكثر من مليون ونصف مليون نازح ولاجئ سوري باتوا يشكلون زهاء ربع أو ثلث السكان المقيمين في لبنان، من دون احتساب موجات النازحين الوافدين من العراق ولا أيضاً الثقل الفلسطيني الأصلي في المخيمات. وإذا كانت منظومات الحوار الجارية على مسارات داخلية ترفع عناوين حوار الضرورة لتحييد الواقع الأمني اللبناني عن تأثيرات الحروب الطاحنة المتناسلة في المنطقة فان الواقع الموضوعي لهذه الحوارات، لا سيما منها بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، يصبح في المقام الاول في خانة الحد الادنى من لبننة الاولويات اللبنانية الدفاعية عن وجود كل المجموعات اللبنانية اولا واخيرا منعا للاهوال التي يرتبها حجم النزوح غير المسبوق الى لبنان.

واقع الحال ان الحديث عن إنقاذ لبنان في الحد الادنى من اخطار النزوح الاكبر والاوسع الذي عرفه بلد قياسا بصغر مساحته وانعدام قدراته وشدة تعقيدات تركيبته، لم يصبح بعد امرا يجيز الحديث عن نجاة لبنان من هذه الاخطار. بل ان المعركة اللبنانية للنجاة بالحد الادنى من منع الانهيار الكبير لا تزال في منتصف الطريق. ومن دون التنكر لأهمية مناخات الحوارات الداخلية سواء ضمن الحكومة أو على مستويات سياسية مستقلة، فان معركة التحييد الحقيقية الاساسية هي تلك التي خاضها ويخوضها الجيش اللبناني في عملياته الاستباقية، سواء على الحدود أو في الداخل، والتي لولاها لكان خطر النازحين تضاعف آلاف المرات بفعل الانفلاش الهائل لهذا الثقل على امتداد الارض اللبنانية. يقتضي بذلك وضع الحقائق في موضعها الصحيح من دون زغل، بما في ذلك الدعم الخارجي للجيش ولا سيما منه الاميركي والسعودي. هذا الدعم شكّل التعويض الوحيد عن كارثة ترك لبنان يرزح وحيداً تحت ثقل النزوح، ولو ترك الجيش أيضاً في مواجهة خطري الارهاب والانفلاش لكان لبنان التحق بالدومينو الجهنمي. انها “حتى الآن” مسلّمة دولية وداخلية بمنع الانهيار ولا يسمح واقعها بأي تضخيم إضافي من نوع التباهي بالأعاجيب المزعومة.