كم هي الحياة ظالمة أحياناً، والقدر لا يرحم.
امس، خسر لبنان علماً من أعلامه، والعدل سيفاً من سيوفه، برحيل القاضية الصديقة ماري دنيز المعوشي.
القاضية الشريفة التي كرّست حياتها للعدالة طوال سبعة وثلاثين عاماً، ما كانت إلّا عادلة، لكنّ الحياة لم تكن عادلة معها فقَهرها المرض وخطفها الموت سيّدة في عزّ شبابها وأوج عطائها.
ما عرفتها إلّا متفانية للعلم والحق، تَنهل من كتب القانون حِكَماً، وما زادتها الأيام والتجارب إلّا عناداً في مبادئها وشجاعة في ممارسة واجباتها.
لم تُرض غير ضميرها وإنسانيتها من خلال العدالة، ولم تسمح في مسيرتها لقوة أن تعلو فوق قوة الحق ولا لقانون أن يَسمو على حساب الضمير.
ما عرفت ماري دنيز إلّا قاضية مسؤولة في زمن نَدرت فيه المسؤوليات، علاّمة في التشريع، صاحبة رسالة عالمية من أجل عدالة الإنسان واحترام حقوقه، موضع ثقة وعنصراً أساسياً لنجاح الدولة في لبنان.
ما ظَلمت صاحب حق، لكنّ حق الموت ظلمها. ما حكمت إلّا بإنسانيتها وعلمها وأخلاقها وشجاعتها، قبل المواد والنصوص والاصول والاجتهادات.
ما كانت ماري دنيز يوماً إلّا المتفوّقة المتواضعة منذ ايام الدراسة، وما تَسلّحت بغير الصفاء والنقاء والإيمان والعطاء.
آمنت انّ لبنان هو أكثر من دولة، بل هو أرض متعددة الأبعاد تنتمي الى الإنسانية ويصرّ على نثر رائحة الياسمين والمحبة في عالم تجتاحه روائح الكره والحقد.
وإنني إذ أنحني بتواضع أمام عِلم القاضية ماري دنيز المعوشي ومناقبيتها ونضالها وشجاعتها في إرساء العدل بين الناس، أقدّم تعازيّ الحارة الى اللبنانيين الشرفاء عموماً والقضاء اللبناني وزوج الراحلة الكبيرة الدكتور عصام طربية وأولادهما ليا وميشال وأنطوان، متمنياً أن يكون رحيلها بَسمة حياة مضيئة للحياة القضائية في لبنان، وبَلسماً دائماً يُحيي العدل ويُدمِل الجراح.
ان الاوسمة لا تعلق على صدور المميزين فقط، انما على صدور الاوطان ايضا، وماري دنيز وسام على صدر الوطن.