يُنصح السياسيون حول العالم بفتح حسابات شخصية لهم على «تويتر»، بوصفه الموقع الأكثر جدوى، وتأثيراً في عالم التواصل السياسي. تأخر سياسيو لبنان قليلاً عن الاستماع إلى هذه النصيحة، وعندما فعلوا وقع بعضهم في المشاكل، مثلما حصل مع وزير البيئة محمد المشنوق أخيراً. إذ لم يجد الأخير حلاً لحملة الانتقادات والشتائم التي طاولته، إلا «البلوك»، الذي يصرّ عليه!
بعد نحو عامين ونصف عام من دخوله عالم «تويتر»، تغيّر ترتيب وزير البيئة محمد المشنوق في لائحة أكثر الوزراء متابعة من قبل الروّاد. تغريدته الشهيرة المحذّرة من استنشاق البرغش أو ابتلاعه، وردود الفعل عليها، ثم حملة الحظر (البلوك) التي قام بها لعدد من منتقديه، رفعت عدد متابعيه من 1228 ظهر السبت الماضي، إلى 1946 صباح الاثنين، و2328 مع كتابة هذه السطور، أي بمعدّل قارب الـ100%.
هذا العدد مرشّح للارتفاع في ظلّ استمرار الحملة ضدّ المشنوق، ليسبق وزير البيئة بذلك وزيرين، آلان حكيم الذي بات يحتل المرتبة الأخيرة مع عدد متابعين وصل إلى 1581 شخصاً، وروني عريجي الذي يحظى بمتابعة 2283 شخصاً.
عدد المتابعين ليس تفصيلاً بالنسبة للوزراء، بمن فيهم المشنوق. فهو رغم تعرّضه حالياً لموجة انتقادات، (بل بسببها) أعلن أمس حصوله على 1189 متابعاً جديداً خلال ثلاثة أيام.
ولم يفت الوزير علي حسن خليل، حين وصل عدد متابعيه إلى 30 ألفاً، في 25 شباط الفائت، التغريد لهم شاكراً. لكن المشوار لا يزال طويلاً أمامه، إذ إنه يحتلّ اليوم المرتبة السادسة بين عشرة زملاء له في الحكومة، من أصحاب الحسابات على «تويتر». ويمكن القول إن الترتيب اليوم، بحسب عدد المتابعين، هو على الشكل التالي (تمام سلام، الياس بو صعب، جبران باسيل، أشرف ريفي، نهاد المشنوق، علي حسن خليل، بطرس حرب، محمد المشنوق، روني عريجي، آلان حكيم). مع استثناء صفحتين تحملان اسم الوزير وائل أبو فاعور، لأنهما غير مفعّلتين.
تغري متابعة صفحات رئيس الحكومة والوزراء العشرة، بدراسة علمية لها، إذ تكشف الملاحظة الأوّلية تفاوتاً كبيراً في طريقة الاستخدام، على أكثر من صعيد… لكن الأكيد أن بين من أوكل الأمر إلى أشخاص يقومون عنه بالمهمة، ومن تولى بنفسه مهمة التغريد، الفرق شاسع. إذ يتعرّض الأخير لمطبّات كثيرة.
هذا ما حصل صباح السبت الماضي مع الوزير المشنوق. يروي لـ«الأخبار» أنه تلقى الكثير من الاتصالات التي تسأل عن موجة البرغش، كما استفسر من أطباء عن مخاطر الأمر. قيل له إن الأطفال قد يبتلعون البرغش أو قد يتنشقونه، «فشعرت بأنه من الضروري أن أحذّر المواطنين. فكرت بداية بالاتصال بأحد الإعلاميين، ثم ارتأيت أن أنشر التحذير بنفسي على تويتر». هكذا، غرّد المشنوق: «مع الحرارة أعداد متزايدة من البرغش على مناطق ساحلية بموجات متفرقة. وينصح بتوقي ابتلاع واستنشاق البرغش». لتنطلق موجة من التعليقات الساخرة والمهينة «التي لا يمكن أن أتقبّلها»، ما دفعه إلى القيام بحملة من «البلوكات» طاولت 147 شخصاً من متابعيه، وفق حساباته، وذلك بعد تصوير شتائمهم وعباراتهم الساخرة.
هذه «البلوكات» ضاعفت الحملة ضد الوزير، فانتشرت صور المغرّدين السعداء بحظر الوزير لهم، وأسّست صفحة على «فايسبوك» تسأل: ليش عمّلي بلوك الوزير؟
لا تزعج الضجة المثارة المشنوق، وهو لا يشعر حتى الآن بأنه أخطأ في ردّ فعله. كما لا يقنعه القول إن واجب الوزير أن يتحمّل المواطنين، كما يتحمّل الأب ابنه مثلاً. يجيب: «المشكلة في مواقع التواصل الاجتماعي أنه لا يمكنك أن تعرفي من الذي يتحدّث معك. هل هذه صفته الحقيقية؟». كاشفاً أنه تلقى النصيحة، من مكتب وزير آخر، بعدم الاكتراث وعدم الردّ «لكني لست الشخص الذي يستطيع أن يتفاعل بهذه الطريقة. هناك من كتب شتيمة على صفحتي، لا أستطيع أن أبقيها، ولا أستطيع أن أردّ عليها فأنزل إلى مستوى قائلها».
يؤكد المشنوق أنه أرسل، إلى من سأله عن سبب حظره للمتابعين، بعضاً من هذه الصور «فغابوا عن السمع». نسأله عن انتقادات طريفة، أو أسئلة منطقية طرحت عليه، وحظر أصحابها فيجيب «هذا غير دقيق، لقد أساؤوا إلي في مكان آخر، ثم قدِموا إلى صفحتي ليسألوا بتهذيب، متذاكين».
الأمر الوحيد الذي يراجع المشنوق نفسه عليه هو طريقة كتابته لتغريدة السبت: «لم يكن ممكناً أن أشرح أكثر في 140 حرفاً، طبعاً كان من الأفضل أن أوضح أن هذا التحذير موجّه للأطفال لكني افترضت أن الناس ستفهم الأمر وكان همي إيصال الرسالة».
المشكلة إذاً هي في التمكّن من إدارة العلاقة مع «تويتر» الذي لا يزال المشنوق في طور اكتشافه: «أنا جديد عليه. في بدايات تأسيس الصفحة كنت أقلّ نشاطاً، وبشكل عام لا تزال تغريداتي قليلة». وفي إطار عملية الاكتشاف هذه، لاحظ المشنوق إلى «الإسفاف في الكلام والفجاجة في التعبير، تراجعاً في استخدام اللغة العربية بحروفها». لكنه سعيد، في المقابل، بالتفاعل الذي يحصل مع متابعين يتشاركون أفكاراً وصوراً، لافتاً إلى أنه أكثر نشاطاً على «فايسبوك».
على الرغم من المشاكل التي يسبّبها «تويتر» للمشنوق، لم يصل بعد إلى قرار بمغادرته: «سأمنح نفسي فرصة». كما يصرّ على أن يبقى مسؤولاً عن إدارة حسابه بنفسه، متمنياً على متابعيه أن يقرأوه جيداً «لأن مشكلة المتابعين هي عدم القراءة. لا تعنيهم المعلومات المفيدة التي قد أنشرها عن عمل يقوم به فريق كامل في الوزارة بقدر ما يثيرهم تعليق بسيط».
قد لا تقنع إجابات المشنوق كثيرين، وقد يثير بعضها موجة جديدة من السخرية، إلا أن الأكيد أنها تمثل مادة جيّدة لفهم التحدّيات التي يفرضها «تويتر» على السياسيين: بدءاً من صياغة الرسالة، التأكد من الرغبة في إعلانها، وتحمّل التداعيات التي ستثيرها. صحيح أن «تويتر» موقع مثالي يطلّ من خلاله السياسي على مواطنيه، يعزّز حضوره، يكسبه شرعية، إلخ. لكنه أيضاً، موقع مساءلة، وساحة تماس مع مختلف مكوّنات الوطن، الذين يتحمّل الوزير مسؤوليتهم جميعاً: شتّامين كانوا أو مهذّبين.