Site icon IMLebanon

المشنوق وزير «الخارجية».. والأمن والتسويات!

رفعت صور الرئيس ميشال عون في وزارة الداخلية قبل أي وزارة أو مؤسسة رسمية أخرى. «خط عسكري» أتاح الاستحصال على صورة «فخامته» من قصر بعبدا قبل المباشرة بتوزيعها.

فريق «الصنائع» سعيد بهذه «القوطبة» ليس فقط لأن نهاد المشنوق كان أول المراهنين لا بل المسوّقين لورقة «الجنرال» في زمن شيطنة عون، بل لأن وزير الداخلية دخل لتوّه نادي «الوزراء ـ الثوابت».

الصورة الرئاسية سترافقه في «ولاية حكومية» ثانية، هو الذي يقف متفرّجا، وحده دون بقية وزراء حكومة تصريف الأعمال، على صراع الحقائب والأسماء والأحجام.

«مالية بري» خضعت لأخذ ورد، «خارجية باسيل» كادت ان تطير لأن «جبران سيكون في القصر». «هجرة جماعية» من السرايا لمعظم الوزراء.. إلا نهاد المشنوق «وزير داخلية كل لبنان»!

عدم تطبيق المداورة لها «الفضل» في تثبيت هذا المشهد، ولكن مع المشنوق الإضافات واضحة. تأتي أولا ثقة الرئيس سعد الحريري به، وثانيا مسار صنعه «النخبوي» بنفسه يصعّب عملية استبعاده أو المفاضلة بينه وبين آخرين من أبناء «البيت الأزرق» على حقيبة الداخلية، وهذا «التصعيب» يسري على خيارات أخرى مستقبلا.

يلعب القدر لعبته بمرونة مع المشنوق. يخرج من مبنى الصنائع في 5 تشرين الثاني 1998 منفياً، ويعود اليه في آذار 2014 وزيراً لأم الوزارات. عام 1976 توقفه عناصر من الجيش السوري على حاجز في الاوزاعي وتحتجزه لثلاثة أيام في مبنى «على الباطون» وينام لياليه فيه على الارض، ثم بعد 40 عاما يعود اليه بعدما صار معهدا لقوى الأمن الداخلي موقّعا لاتفاقية تفاهم ودعم بين لبنان وبريطانيا!

ملعب نهاد المشنوق واسع جدا. يبدأ من اهتمامه الاستثنائي بحلّ أزمة السير، كبند أول على جدول أعمال «حكومة الانتخابات»، وباحتفائه بإنجاز «الباسبور البيومتري» و «دفاتر السواقة» و «النمرة الذكية» حتى لو كلّفته اتهامات بالفساد.. لينتهي مفاوضا سرّيا في عواصم العالم و «بئرا عميقة» لأسرار من يلتقيهم يستثمرها لمصلحة الداخل.. في التوقيت المناسب. يقول عنه فريق عمله «إنه يتعب كثيراً ويُتعِبُ أكثر».

من لم يقطع شعرة معاوية مع أحد في الداخل لا يفعلها في الخارج. الوزير المؤمّن بنظرية «لا أمن بلا سياسة» حطّ ضيفاً في واشنطن وموسكو وباريس ولندن والسعودية ومصر والامارات (أول وزير لبناني تدعوه حكومة أبو ظبي قبل سنة بعد قرار المقاطعة من 2010)، فتختلط أهداف الزيارة بين الامن والتنسيق بشأن مكافحة الإرهاب و «هندسة» جزء من السياسة الخارجية للبلد المنهك بأزماته.

يصبح مفهوماً هنا تضمين أجندته لقاءات مع مساعد وزير الخارجية الاميركي مرات، ووزراء الخارجية المصري والفرنسي والروسي، ومستشار الامن القومي في مجلس الوزراء البريطاني.. وها هو قبل أيام يلتقي في مكتبه أحد المساعدين في فريق دونالد ترامب.

سيكون مفهوماً أكثر ماذا يعني ان يكون المشنوق شاهداً أو «شريكا» في إنضاج القرار السعودي بالسير في خيار ميشال عون، فيحطّ تامر السبهان فجأة في بيروت ويتّصل الملك محمد بن سلمان شخصيا بـ «الجنرال الرئيس» لتهنئته. لا يكف عن التأكيد أنه صاحب رأي فقط لا غير.

ويُترك للمخيّلة أن تشتغل شغلها حين يقوم المشنوق بزيارة غير معلنة قبل أقل من أسبوعين الى مصر تنتهي، بعد وصول طائرته الى مطار بيروت، على طاولة الحوار مع «حزب الله» في عين التينة، ثم بعدها يصل وزير الخارجية المصري سامح شكري الى بيروت داعيا الرئيس المنتخب الى زيارة مصر «في أقرب فرصة مؤاتية». وبمزحة تحمل الكثير من الجدّية ينقل عن المشنوق قوله «بدّنا نعرّبو (عروبة) لخطاب القسم».

هو نفسه من حاول تصوّيب رادارات الرئيس نبيه بري الذي ظلّ حتى اللحظة الاخيرة «ينعى» الغطاء السعودي لميشال عون.

تسليمه بشجاعة سعد الحريري الاستثنائية تحصيل حاصل والإصرار على الوقوف بجانبه أقل الواجب، خصوصاً في الأيام الصعبة، يجد في الوفاء أرباحاً أخلاقية.. صاحب أكبر شبكة علاقات دولية ومصادر معلومات في فريق «المستقبل» بعد الحريري يجاهر في مجالسه الخاصة بقناعته بالدور المصري في المرحلة المقبلة. دولة متوازنة بعلاقاتها العربية والدولية، لكن المهمّ تشجيعها على هذا الدور. مصر تسعى للمّ شمل الاعتدال العربي لمواجهة الارهاب وللحدّ من النفوذ الاقليمي لإيران «بجهد سلمي وسياسي»، كما يكرّر دوماً. ومن دون تفاهم وجهد مشترك مصري سعودي، بقناعات المشنوق، سيصعب حصول تقدّم سياسي في الملعب العربي.

قلّة في «المستقبل» تعرف اليوم ما يعرفه المشنوق بأن الملف اللبناني بيد الملك وولي ولي عهده والتنفيذ لثامر السبهان حصرا بعد انتقاله من حاضنة الاستخبارات السعودية ووزير الخارجية عادل الجبير.

حين أفتى وزير الداخلية الصيف الفائت بانتخابات رئاسية قبل نهاية العام، كانت الغالبية العظمى من السياسيين تنظّر لشغور سيمتد الى ما بعد «ركلجة» الإدارة الأميركية «الترامبية» أو «الهيلارية» أوضاعها. وحين سوّق لخيار ميشال عون كان «العقلاء» يعايرونه بالتهوّر. يحذّر قبل عام من وجود خطر حقيقي على الليرة فيبتدع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «هندسة مالية» لتعزيز الموجودات بالعملة الأجنبية. أما بوصلته في الانتخابات البلدية فلم تخطئ ابدا.

آخر «توقعات» المشنوق تكتمل في مصير الانتخابات النيابية. يقولها بالفم الملآن: ستحصل حتما في موعدها في الصيف المقبل وفق القانون القائم أي «الستين»، إلا إذا تمّ الاتفاق على قانون جديد، وأنا أشك بذلك، سيكون هناك تأجيل تقني من أجل تدريب الإدارة والقضاة ولجان القيد والمواطنين على آلية الانتخاب. وآخر مهلة لتفادي انتخابات وفق قانون الستين هي نهاية العام الحالي. لن ننتظرهم دهرا حتى يتفقوا على قانون جديد!

وماذا عن الدعوة لانتخابات فرعية التي أطلقها أشرف ريفي، يقول المشنوق «عندما تتألف الحكومة، سأعرض الأمر على مجلس الوزراء الذي يعود له القرار بذلك لأنها مسألة سياسية وأنا مسؤوليتي التشاور بالموضوع». أما حكومة تصريف الأعمال «فلا تعمل انتخابات».

«المتعجرف» أصلا، يحق له التعجرف أكثر. هو دون غيره يشتم «سرايا الاحتلال والفتنة» ثم يجلس مع «أهلها» على طاولة حوار عين التينة. لا يقصّر بـ «حزب الله» وإن دشّن عهده الوزاري باستضافة وفيق صفا على طاولة وزارة الداخلية، وختم الولاية الاولى بارتياح كامل «لأني أواجه ولا أغدر».

يجلس في حضرة «الجنرال» فيحاول الأخير إقناعه بأن الرئاسة «تلبننت». يخرج من صالونه ويصرّح للإعلاميين في الرابية «الانتخابات الرئاسية نتاج قرار إقليمي ودولي». مع ذلك، يبادره الرئيس خلال تلقيه التهاني بانتخابه في مجلس النواب «أهلا بالصديق العزيز». الصديق العزيز يريد فعلا لهذا العهد أن ينجح. يتعاطى معه كـ «مولوده»، «لأن عون عنصر توازن حقيقي».

حين وصل الى الداخلية تحدّى نفسه. لن أترك الإدارة «تأكلني». بلّ يده «على الوصلة» في «طبخة» الخطة الأمنية. تاريخيا، للجيش سطوة على بقية الأجهزة الامنية. صعد الى وزارة الدفاع وفاتح العماد جان قهوجي بصراحة. «مكافحة الإرهاب سمّ. تريد أن تعمل وحدك أنت حرّ. أنا لن أكون شاهدا». تجربة الشراكة بين الجيش وقوى الامن في تطبيق الخطة الامنية نجحت، برأي المشنوق، «والفضل الكبير بذلك لقهوجي ولإلحاحي لفترة طويلة». حتى في مسألة الارهاب صار وزير الداخلية يتغنّى باجتماعات لم تكن تحصل سابقا بين الجيش والامن الداخلي والامن العام.

في رومية، اتّخذ قرارا بالتنسيق فقط مع قائد الجيش بنقل 900 سجين في تسع ساعات. ما قيل عن «إمارة» تربّت في كنف ريفي انتهت على يد غريمه. فاخر بكونه أول وزير يسجن عسكريين بتهمة ضرب مساجين، ووقّع نحو 30 قرارا بإحالة ضباط الى المجلس التأديبي. هو يعترف بـ «الظرف السياسي» الذي سمح له بأن يعمل، لكن ايضا بـ «القرار السياسي» «صار موجودا بوزارة الداخلية. أنا لست كالآخرين. أعطيت الاجهزة الامنية ما قدرت عليه، ولم آخذ منها».