IMLebanon

المشنوق… يلعب «صولد»

كلّ مَن استمع الى تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، اعتقد أنّ مفاعيل الخطاب الذي أطلقه في مناسبة اغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن قد انتهت، وأنّ الأمور عادت الى ما قبل هذا الخطاب.

المشنوق أعلن أنّ الحوار يشكّل «جزءاً من السلم الأهلي في لبنان، ونحن نحتاجه كلبنانيّين لاستمرار هذا السلم»، ولا شك في أنّ هذا الموقف يؤشر بوضوح الى تمسّك المشنوق باستمرار الحوار مع «حزب الله»، خصوصاً بعدما تعهّد برّي متابعة تنفيذ الخطة الأمنية في البقاع، وهي أبرز الأسباب التي دفعت المشنوق الى التلويح بالخروج من الحوار، الأمر الذي يعني أنّ الخلل المشكو منه قد عولج مبدئياً، وأنّ الأمور عادت وسلكت القنوات السياسية والحوارية.

لكنّ المفاجئ أنه وبعد ساعات على لقائه برّي، أعلن المشنوق عبر «تويتر»: «كلامي في عين التينة لا يعني أنني قررت المشاركة في حوار الثلثاء»، الأمر الذي طرح جملة تساؤلات في شأن مؤديات هذا الموقف: كيف سيتصرّف «المستقبل» الذي تضامن مع المشنوق وأكد على استمرار الحوار؟ وهل سيتمسّك وزير الداخلية بموقفه في حال تمنّى عليه الرئيس سعد الحريري المشاركة؟ وكيف سيتعامل «حزب الله» مع هذا الموقف، لا سيما أنه كان سرِّب في صحيفة عربية أنّ الحزب وجّه كتاباً الى الرئيس الحريري يطلب فيه استبدال المشنوق بشخصية «مستقبلية أخرى»؟

مصادر تيار «المستقبل» تؤكد لـ«الجمهورية» أنْ «لا رسالة من هذا النوع وأنّ ما نشر في هذه الجريدة جاء رداً على ما كان قد سرِّب عن احتمال عدم مشاركة المشنوق في جلسات الحوار»، لافتة إلى أنّ «البيان الصادر عن كتلة «المستقبل»، وفّر الغطاء السياسي لوزير الداخلية وأكّد أنّ موقف «المستقبل» واحد ولا خلافات على هذا المستوى، بل ذهب البيان الى حدّ القول إنّ استمرار الأوضاع على ما هي عليه من تعطيل سياسي رئاسي وحكومي، الى عدم الالتزام بالخطط الأمنية، سيدفع الكتلة مجتمعةً الى اتخاذ قرار الخروج من الحكومة والحوار».

وفي هذا السياق، توضح أوساط تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» أنّ الهدف الأساس من المشاركة في الحكومة والحوار كان تبريد المناخ السياسي، واحتواء الأزمات السياسية، ومحاولة فصل الأزمة السورية عن الأزمة اللبنانية، وقد قام «المستقبل» بكلِّ ما يفرضه عليه الواجب الوطني من مسؤوليات، فوفّر الغطاء السياسي للقوى الأمنية لتُنفّذ الخطط من صيدا الى طرابلس، وشارك في كلّ جلسات الانتخابات الرئاسية وساهم في إنجاح العمل الحكومي، وكلّ ذلك ليس من أجل تمنين اللبنانيين أو أيّ طرف سياسي، إنما عن قناعة بالحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، ولكن ما كانت النتيجة؟»

وتلفت الأوساط إلى أنّ «الطرف الآخر، عن سابق تصوّر وتصميم، ساهم بكلّ ما يؤدي الى تعطيل مسار الدولة ومؤسساتها وعملها، الأمر الذي جعلنا كأننا شهود زور أو أننا نوفّر الغطاء لمشروع يفرّغ الدولة اللبنانية، ويدفع البلد رويداً رويداً نحو الفوضى»، مضيفة: «من هنا بالذات كان لا بدّ من إطلاق تحذير سياسي، لأنّ الممارسة التعطيلية أعادت تقوية التطرّف على حساب الاعتدال، وبالتالي الاستمرار من دون اتخاذ أيّ موقف سيحوّل القوى المعتدلة الى قوى خارجة عن بيئتها ولا تمثل تطلعات شارعها، ولذلك حرصاً على تجنّب تسليم البلاد الى المتطرّفين بكلّ الاتجاهات، كما تجنيب لبنان الفوضى، كان لا بدّ من صرخة تحذيرية أطلقها وزير الداخلية، علّها تعيد تصحيح المسار القائم».

واللافت أنّ موقف المشنوق تقاطع بعد أيام عدة مع موقف رئيس الحكومة تمام سلام، الذي عبّر بدوره عن اشمئزازه من التعطيل المبرمج والممنهج، وهدّد بالاستقالة من الحكومة في حال عدم إعادة تفعيل العمل الحكومي وتنفيذ خطة نفايات تحديداً.

وتكشف الأوساط عن مداولات بين الرئيس سعد الحريري والمشنوق وقيادات «المستقبل» من أجل الاتفاق على الحوار يوم الثلثاء المقبل لجهة إبقاء المشاركة على ما هي عليه، أو تغييرها استجابةً لطلب المشنوق الذي أكد أنه سيلتزم موقف الحريري ولكن لديه وجهة نظر عبّر عنها في الخطاب وهو متمسك بأن يحافظ عليها كورقة سياسية في انتظار تطبيق الخطة الأمنية.

فعدم مشاركته لا تعني وقف الحوار، إنما تعني أنّ الوزير المختصّ والمولَج تطبيق الخطة الأمنية لن يقبل بأن يستمرّ في الموقع المتلقي للوعود التي تبقى حبراً على ورق.

وتؤكد الأوساط أنه بمعزل عن مشاركة المشنوق أو عدمها، فقد وصلت الرسالة وهي أنّ الابتزاز مرفوض وأنّ سياسة الصيف والشتاء تحت سقفٍ واحدٍ مرفوضة بدورها، وأنّ على «حزب الله» تحمّل المسؤولية إذا أراد فعلاً الحفاظ على استقرار لبنان لأنه يستحيل الحفاظ على هذا الاستقرار في ظلّ التعطيل الشامل والكامل».

وفي موازاة ذلك، سألت أوساطٌ سياسية: هل تكمن مصلحة المشنوق في استمراره شخصياً في الحوار، أم في انسحابه منه لمصلحة «شخصية مستقبلية أخرى»؟

وفي الإجابة قالت هذه الأوساط لـ«الجمهورية» إنّ المشنوق كان منذ بداية تسلّمه مهامه الوزارية أميناً على تنفيذ سياسة تيار «المستقبل»، وكما هو معلوم سياسة التسويات لا تستهوي الشارع الذي يميل نحو التطرّف، إلّا أنه تمّ تحميل المشنوق مسؤولية هذه السياسة وكأنه هو مَن قرّر المساكنة في الحكومة والذهاب الى حوارٍ ثنائي، فيما هذا هو موقف التيار الذي يؤمن به وزير الداخلية ويحرص على تنفيذه.

وفي المقابل، قالت الأوساط إنّ «موقف المشنوق قد ينعكس سلباً على الصورة التي راكمها مع الفريق الآخر، بأنه الشخصية «المستقبلية» الأكثر قدرة على مدّ اليد والحوار والانفتاح، وبالتالي ما أظهره المشنوق على هذا المستوى يجسّد صورته الفعلية، ولكنّ للصبر حدوداً، حيث إنّ الانفتاح والحوار ومدّ اليد يكون مع القوى السياسية التي لديها رغبة صادقة وفعلية بالمصافحة والتعاون والتنسيق لما فيه خير لمصلحة البلد، وليس مع القوى التي تريد أخذ كلّ شيء من الطرف الآخر، من دون أن تقدّم شيئاً.