لم يثر موضوع أو ملف سياسي انقساماً داخل تيار المستقبل في طرابلس وتبايناً في الرؤى والمواقف بالقدر الذي أثاره فيديو رومية. ومع الإجماع على إدانة الاعتداء الوحشي على السجناء، إلا أن الانقسام الذي تبع التسريب ليس نابعاً من الخشية المفرطة على حقوقهم، بقدر ما كان انعكاساً للتنافس السياسي على «الكعكة الطرابلسية»، فيما العيون تشخص دائماً إلى موقع رئاسة الحكومة.
تضاربت المواقف من «فضيحة رومية»، لكن الجامع بينها كلها كان اسم نهاد المشنوق، حتى بدا وكأن الأخير يعيد رسم الخريطة السياسية في عاصمة الشمال.
تصدّر وزير العدل أشرف ريفي الاعتراضات، وتحوّل «نجماً» أوحد، متسلحاً بدعم هيئة علماء المسلمين، إلى حد تهديده بأن «ما حصل لن يمرّ بلا عقاب». صعّد ضد وزير الداخلية وأدار التحركات من وراء الستار ومن على شاشات التلفزيون، محاولاً «القطف» على خطين: في الشمال، خصوصاً أن أغلبية الموقوفين شماليون. وعلى مستوى تيار المستقبل بعد «إحراق المشنوق»، مقدّماً نفسه «الصقر» الوحيد الذي يمكنه ربما الحلول محل سعد الحريري، ما دام الأخير في الخارج.
مشهد كهذا لن يروق بالطبع كثيرين من النواب الحاليين والسابقين والطامعين مستقبلاً. وفي هذا السياق كانت لافتة المواقف الهادئة لنائبي التيار في طرابلس، محمد كبارة وسمير الجسر. فالأول، رغم غمزه من قناة وزير الداخلية، دعا إلى «التعقل وضبط النفس والتبصر وعدم الإضرار بالمدينة وبموسمها التجاري في شهر رمضان وعيد الفطر». وناشد الثاني المشنوق «بما نعرفه عنه من حرص على الكرامات، أن يتخذ الإجراءات المناسبة بحقّ الذين اعتدوا على الموقوفين».
ومن المعلوم أن كبارة والجسر لم ينظرا بارتياح إلى دخول ريفي عالم السياسة والترويج له كرافعة أساسية لتيار المستقبل في المدينة في وجه خصومه. إذ يدركان أن تقدّمه سيكون على حسابهما أو على حساب أحدهما على الأقل.
كبارة والجسر غير مرتاحين
لصعود نجم ريفي وميقاتي يصفّي حساباته
ومن خارج تيار المستقبل، برز حراك لافت على هامش «فضيحة الفيديو» للرئيس نجيب ميقاتي الذي تقاطع مع ريفي، رغم غياب الود بينهما واختلاف «الأجندات» المختلفة، بعدما اعتبر أن «المسؤولية الوزارية على ما حصل في سجن رومية، أهم بكثير من مسؤولية عناصر أمنية قامت بالاعتداء على الموقوفين». وردّ مطلعون أسباب موقف ميقاتي من المشنوق إلى «ملف» قديم عالق بين الرجلين، وعدم ارتياح ميقاتي لبروز المشنوق الذي يرى فيه منافساً له في الوصول إلى السرايا الحكومية.
«زوبعة» المشنوق وصلت تداعياتها أيضاً إلى الوزير السابق فيصل كرامي. فرغم نسجه أخيراً علاقات جيدة مع الخصمين اللدودين، الحريري وميقاتي، اتخذ كرامي موقفاً من أزمة رومية بعيداً عن ميقاتي، ما يعبّر عن علاقته الشخصية الجيدة بالمشنوق، فضلاً عن الموقف المبدئي لكرامي بأن «الدولة الشديدة خير من عدم وجود دولة». وكان كرامي قد أشار أمس إلى أن «الفلتان في سجن رومية ليس حديث العهد»، وأن وزير الداخلية «تحمّل بشجاعة المسؤولية وعالج الأمر»، معتبراً أنه «إذا أخطأ عنصر أمني ما فلا يجوز أن نطالب بإلغاء الجهاز الأمني التابع له، خصوصاً ونحن نرى النيران من حولنا مشتعلة، والأجهزة الأمنية والجيوش تتفكك والدول تتحلل».
تظاهرة متواضعة لـ «إسقاط» الوزير
لم يكن ساطعاً، “يوم الغضب الإسلامي” الذي دعا له عدد من المشايخ في طرابلس بعد صلاة الجمعة، احتجاجاً على أشرطة ضرب السجناء في سجن رومية. مشايخ هيئة علماء المسلمين وأهالي الموقوفين الإسلاميين وعشرات المصلين، أغلبهم من حزب التحرير، خرجوا من عدد من المساجد وتلاقوا في ساحة النور حيث نفذوا اعتصاماً تحت شعار “حاكموا المشنوق ومن وراءه وفكوا قيد أسرانا في رومية”. هتف المعتصمون ضد وزير الداخلية نهاد المشنوق وتيار المستقبل وفرع المعلومات: “الشعب يريد إسقاط المشنوق” و”يا مشنوق منّك منّا خود سعد وارحل عنا”، وسط إجراءات مشددة اتخذها الجيش والقوى الأمنية. قبل الاعتصام، ساد توتر في أنحاء المدينة بعد قيام شبان بإزالة لافتات رفعت تأييداً للمشنوق.