Site icon IMLebanon

كلام المشنوق… تفسيرات ومفارقات!

 

تفاوتت التفسيرات والتحليلات التي حاولت الإحاطة بخلفيات وأسباب الكلام الأخير للوزير نهاد المشنوق، والذي خلط فيه بين المحليّ والعربي، ولم يَسلم مِن «نكزاته» وانتقاداته، العديد من الحلفاء والأصدقاء، في الداخل كما في الخارج!

ورغم تأكيد وزير الداخلية أن كلامه يُعبّر عن مواقفه وآرائه الشخصية، إلا أن فريقه السياسي لم يَسلم من شظاياه، حيث جاء بيان النائب عمار حوري ليضع خطاً فاصلاً بين كلام المشنوق ومواقف تيار المستقبل، خاصة في كل ما يتعلق بالسياسة السعودية الأخوية تجاه لبنان.

وإذا حاولنا أن نضع كلام الوزير المثير للجدل، في إطاره الواقعي والصحيح، يصبح من السهل الاستنتاج بأن الرجل لم يستهدف مواقف السعودية، أو يسيء إلى العلاقة التاريخية معها، بقدر ما حاول تبرئة فريقه وقيادته من مواقف وإرباكات، انعكست سلباً، وبشكل كبير على شعبية تيّار المستقبل، سواء في بيروت وطرابلس، أم في المناطق الأخرى ذات الكثافة السنية.

لا يمكن فصل بعض المواقف الحادّة الواردة في الحديث التلفزيوني عن النتائج المفاجئة للانتخابات البلدية في طرابلس، والفوز الصاعق للوزير أشرف ريفي ضد قيادات المدينة مجتمعة، وارتدادات هذا الزلزال على الصعيدين: الطرابلسي أولاً، وعلى مستوى الطائفة السنية ثانياً وثالثاً، ولعل هذا هو بيت القصيد بالنسبة للوزير المشنوق!

* * *

لقد تحوّل اللواء أشرف ريفي، بين ليلة وضحاها، من وزير مستقيل، مُحاصر من تياره السياسي، ومُستبعد عن التحالفات الكبرى في الفيحاء، بل وإلى «دخيل» على الحركة السياسية، في نظر العديد من نواب المدينة، إلى «الزعيم رقم واحد» في طرابلس، بعدما استطاع إلحاق هزيمة انتخابية نكراء بقيادات طرابلسية، تفوقه عدّة وإمكانيات عشرات المرات.

يعتقد كثيرون أن انتصار ريفي الكاسح في طرابلس، حجب الإنجاز الكبير لوزير الداخلية في إجراء انتخابات بلدية هادئة وراقية، وفي أجواء  أمنية مشجعة ومناسبة، وبالتالي أَبعدَ الرهانات التي كانت معقودة على ذلك الإنجاز، في السباق المفتوح نحو السراي الكبير، وهو طموح مشروع بكل المقاييس المعروفة في هذه المرحلة!

ثمة من يذهب أبعد من ذلك، عبر الإيحاء الافتراضي، بأن نجاح ريفي لم يكن ممكناً بهذا الزخم، من دون وجود «دعم سعودي ما»، وهو العائد حديثاً من الرياض، بعد مقابلة معلنة مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف، الذي يحيط علاقته بريفي بعناية خاصة، منذ كان الأخير مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي.

وثمة من يُركّز على الخطاب السياسي لريفي الذي استند على شعارات ومواقف وثوابت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مؤكداً تمسكه بمبادئ حركة 14 آذار السيادية، ووفائه لدماء شهداء المسيرة الاستقلالية، وخاصة رفيق دربه اللواء الشهيد وسام الحسن.

يضاف إلى كل ذلك طبعاً، حالة القرف والإحباط الشعبي في طرابلس، من قيادات ونواب الفيحاء، بسبب الحرمان المستشري، والمظلومية المتفاقمة، التي تطال مختلف مرافق العاصمة الثانية للبنان، والتي تصنّف دولياً، بأنها أفقر مدينة على ساحل المتوسط !

فهل تُشكّل هذه التحليلات الخلفيات المفترضة لكلام الوزير المشنوق؟

* * *

لا شك أن الوضع السياسي في طرابلس بعد 29 أيار، لن يكون مثل ما كان عليه قبل هذا التاريخ، وتقدّم ريفي صفوف الزعامة في الفيحاء، ستكون له امتدادات مؤثرة على مجمل المعادلة السياسية للطائفة السنية، الأمر الذي أدركه باكراً المشنوق، بحكم تجربته المخضرمة في العمل السياسي، وبالتالي محاولته المتسرّعة في تطويق إنجاز زميله اللدود، بهدف إعادة الأمور إلى توازناتها السابقة، والتي كانت تميل لمصلحته داخلياً وخارجياً.

المفارقة الثانية أن وزير الداخلية، وهو أحد أعضاء الحلقة الضيّقة حول الرئيس سعد الحريري، طالب في حديثه التلفزيوني برفع «صحون الشهداء عن الطاولة»، والكف عن طرح أسمائهم في الخطب السياسية، وخاصة الرئيس الشهيد رفيق الحريري واللواء وسام الحسن، لأنه هو شخصياً من المنظرين لطي صفحة الحديث عن الرئيس الشهيد، حفاظاً على ذكراه أولاً، ولأنها استنزفت على أكثر من صعيد، ثانياً وثالثاً… على أن يتم التركيز على قيادة الرئيس سعد الحريري المرجعية الأولى للطائفة السنية.

أما المفارقة الفاقعة، فكانت محاولة إلصاق أخطاء وإخفاقات مرحلة بكاملها بالمملكة العربية السعودية، في عملية تهرّب واضحة عن تحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور، سواء على صعيد تيّار المستقبل، وتصدع قواعده الشعبية، أم بالنسبة لتفكك جبهة 14 آذار، وتشظي أطرافها في تحالفات هجينة مع خصوم الأمس.

لا ندري كيف غابت من ذاكرة نهاد المشنوق، وهو السياسي والإعلامي الموثّق، المواقف المشرفة للقيادة السعودية السابقة، ومبادرات المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاه لبنان في الأوقات العصيبة، سواء إبان حرب تموز أو بعدها، أو من خلال زيارته المفاجئة للبنان مع الرئيس السوري بشار الأسد، لإخماد الفتنة الطائفية، وتسهيل معالجة الأزمة الحكومية التي كان يتخبّط فيها البلد، فضلاً عن الدعم السياسي والمالي غير المحدود، لمساعدة وطن الأرز في تخطي مشاكله المتناسلة!

أما ترشيح النائب سليمان فرنجية في السباق الرئاسي، فلم يكن خياراً شخصياً للرئيس سعد الحريري، بقدر ما كان نتيجة توافقات دولية – إقليمية، خرجت منها طهران في منتصف الطريق.. وأجهضتها لأسباب سيأتي الوقت المناسب للخوض فيها!

* * *

ويبقى السؤال:

هل كان الوزير نهاد المشنوق يخاطب أطرافاً محلية وخارجية بنوع من الرسائل المُشفّرة؟

الجواب رهن بتطورات المرحلة المقبلة!!