قبل بضعة ايام لوّح احد اركان “تيار المستقبل” وزير الداخلية نهاد المشنوق بما مفاده ان الغطاء الدولي والاقليمي الذي اسبغ على لبنان طوال الاعوام التي تلت اشتعال فتيل الازمة في الساحة السورية ووفر نوعا من استقرار وحماية من الانفجارات المنفلتة من عقالها يوشك ان يتقلص.
هذا الكلام لافت ومفاجىء انطلاقا من اعتبارين : الاول هو ان قائله يعد الاكثر عقلانية وبعدا عن الاثارة في اطلاق المواقف. والثاني انه يتربع على عرش من المعلومات بفعل موقعه مما يعطي كلامه وقعاً وصدى ويدفع المراقبين الى التوقف والسؤال عن الابعاد الكامنة وراء هذا النوع من التصريحات في هذه المرحلة بالذات وامكان ان يفقد لبنان غطاء امان توافر له في وقت كانت الساحات المحيطة به تفقد مناعتها الامنية وتعيش فوق صفيح ساخن.
المتسائلون انفسهم ولكي يكون المامهم بالموضوع اشمل يحلو لهم استهلالا ان يناقشوا مسألة هل الغطاء الدولي والاقليمي المحكي عنه طويلا كان من الاصل حقيقة فاعلة،ام مجرد وهم تدثّر به الساسة في لبنان لغايات ومآرب اخرى مستترة تارة ومعلنة تارة اخرى؟. لاريب في ان ثمة مرتكزات عملانية في الواقع اللبناني لهذا الغطاء ولكنه كان على الدوام غطاء مطاطيا يمكن التلاعب به وفق حاجات كل فريق.
الغطاء اياه كان غطاء دوليا وجد نوعا من الدعم الاقليمي، ايراني – سعودي، وغايته القصوى الحيلولة دون ادخال لبنان في اتون النار المشتعلة في المنطقة وتحديدا في الميدان السوري.
ولم يعد خافيا ان كل فريق اعطى لهذا الغطاء تفسيرات عدة ، فتحت هذا المسمى اجترح البعض كما صار معلوما مصطلح “النأي بالنفس” او تحييد لبنان منعا لان يصير طرفا في الصراعات والتباينات العربية التي نشأت بفعل التناقض حول الوضع في سوريا. لكن وتحت مظلة الغطاء نفسه استخدم فريق لبنان ساحة لدعم المجموعات المتمردة على النظام في سوريا والتي دخلت في احتراب معه.ولم يعد غريبا في الاطار نفسه عودة خطوط التماس فجأة الى وسط طرابلس وشهودها مدى نحو ثلاثة اعوام مواجهات اسقطت اكثر من 500 قتيل ومثلهم من الجرحى واصابت المدينة باضرار وخسائر شتى.
ولا يمكن في السياق عينه تجاهل عمليات الاستقبال المنظمة لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين في الربوع اللبنانية وغض النظر عن المخاطر المحتملة لذلك على الاجتماع اللبناني.
فضلا عن ذلك، شهدت الضاحية الجنوبية ومناطق بقاعية عمليات تفجير من طبيعة انتحارية.كما لا تُنسى عمليات تهريب السلاح والذخائر الى الداخل السوري عبر عرسال وتلكلخ وسواهما من معابر السلسلة الشرقية. وفي الوقت عينه ، وبشكل غير مباشر، استخدم الغطاء اياه من جانب قوى مؤيدة للنظام في سوريا ووفروا له الكثير من المتطلبات وسبل الدعم والاسناد.
وبمعنى آخر، وتحت هذا الغطاء الدولي كان ثمة استخدام واستثمار مزدوج للساحة اللبنانية بحيث تحولت ساحة رديفة للساحة السورية إذ كان الارهاب حينذاك بكل اشكاله حاجة للبعض وكان مطلوبا ايجاد مستوطنات وحواضن له في كل الساحات بما فيها الساحة اللبنانية وذلك بهدف التعجيل في اسقاط النظام في سوريا ومحاصرة الدائرين في فلكه وإحداث تحولات في طبيعة المشهد العام في المنطقة تقلب الامور رأسا على عقب.
لكن الراصد لمسار الاوضاع لا بد من ان يستنتج ان ثمة مرحلتين في عمر هذا الغطاء،الفيصل بينهما الاستيلاد القسري لحكومة الرئيس تمام سلام ، فبعد اعلانها ثمة وظيفة اخرى للساحة الداخلية وثمة تفسير اشد للغطاء الدولي، اذ اتضح ان مرحلة التشدد في مواجهة الارهاب بكل مسمياته ونسخه وخنقه في بيئاته الحاضنة قد بدأت جديا ،لا سيما بعدما فاض خطر هذا الارهاب وتمدد الى الغرب بشقيه الاوروبي والاميركي ولم يعد ترفا يمكن استخدامه. بعدها فككت “جبهة طرابلس” وزج بامراء المحاور ورموز الزواريب في السجون وفرض حصار على عرسال واطيح بظاهرة الشيخ احمد الاسير والقي القبض على عشرات رموز الارهاب ورؤوسه ،وتهاوت خلايا ومجموعات كانت كامنة بانتظار الاوامر ، واخفقت سلفا عمليات تفجير في “مطعم الساحة” وقتل ارهابيون كانوا نزلاء في بعض الفنادق.
بعد هذه المستجدات الامنية والسياسية تيقن الجميع ان الاعتبار اعيد جديا الى الغطاء الدولي، فضلا عن ان كل الافرقاء صاروا مولجين في الاسهام في حمايته ودعم استمراره.
وبناء على كل هذا السرد لمسار الغطاء الدولي وما اصابه من تحولات وتبدلات ، فان ثمة من يسأل عن ابعاد التلويح المباغت للوزير المشنوق بقرب انتهاء صلاحية الغطاء الدولي والاقليمي.
وعليه طرح سؤال عما اذا كان ذلك عبارة عن تهويل لتبرير استمرار الحوار بين “التيار الازرق” و”حزب الله” خصوصا بعدما صار الامر موضع تساؤل لدى القاعدة “المستقبلية ” بعد هجوم السيد حسن نصرالله غير المسبوق في حدته على القيادة السعودية في اعقاب اعدام الشيخ الرمز نمر النمر؟ ام ان له ابعادا واغراضا اخرى؟
ما من معطيات تشي بان الساحة اللبنانية تنزلق نحو التوتر او الاضطراب المحتمل رغم ان هذه الساحة ارتجّت بعض الشيء بفعل النبرة العالية للسيد نصرالله اخيرا ، وبفعل بروز بعض الاصوات “المستقبلية” المشككة بجدوى استمرار الحوار مع الحزب والمتطرقة الى امكان اعادة النظر به .الا انه تبين لاحقا ان الامر لم يعدُ كونه ردة فعل قسرية لحفظ ماء الوجه ، وما لبث الوزير المشنوق نفسه ان اعلن من منبر عين التينة ما يؤكد حرص زعيم “التيار الازرق” الرئيس سعد الحريري على التهدئة واستمرار الحوار.
واذا كان “المستقبل ” سرعان ما اعلن بذلك تمسكه بمعادلة الاستقرار المصان بالرعاية الدولية والاقليمية، فان السؤال الذي لا يزال يبعث الهواجس لدى البعض هو: هل ان ذلك كاف للقول ان ظروف ارساء هذه المعادلة طوال الاعوام الماضية مازالت هي هي؟