خرَج ملف إقامة مخيمات للنازحين السوريين على الحدود اللبنانية- السوريّة من إطاره التقني، وبات ملفاً سياسياً تتحكّم فيه نزاعات المنطقة، وإلإمتدادات الثأرية للحربين العراقية والسوريّة.
يُصرّ وزير الداخلية نهاد المشنوق على تنفيذ خطّة نقل النازحين من عرسال الى مناطق آمنة في البقاع سريعاً، متّبعاً الإستراتيجيّة نفسها التي اتّبعها أثناء تنفيذه الخطّة الأمنية في طرابلس، إذّ إنّ الحسم والحزم كانا السلاح الأمضى في «ضبضبة» السلاح غير الشرعي من الفيحاء، بعدما وضَع الجميع أمام الأمر الواقع، فرفع الغطاء السنّي عن قادة المحاور، وسحب «حزب الله» البساط من تحت أقدام الحزب «العربي الديموقراطي» وزعيمه علي عيد ونجله رفعت.
في السياسة، يراهن المشنوق على التقاطعات الحاصلة بين «حزب الله» من جهة، وفريقه السياسي من جهة أخرى، إذ إنّ حلّ قضية نازحي عرسال يحتاج الى قرار كبير قد يكون متوافراً في حال قرّر الحزب عدم ترك المخيمات شوكة في خاصرة مناطقه الشيعيّة البقاعية القريبة من اللبوة، وقد يصل الى هذه النتيجة عندما يتأكّد أنّ عودة هؤلاء الى سوريا مستحيلة، ليس فقط بسبب رفض النظام السوري إدخالهم الى بلادهم، بل لوجود آلاف الإرهابيّين من «جبهة النصرة» و»داعش» في الجرود، ورفض بعض السوريين العودة الى بلداتهم والعيش تحت قانون هذا التنظيم.
وعليه، ستشكّل النقطة الجغرافية التي سيقام عليها المخيّم عائقاً أمام هذا المشروع الكبير، حيث يحتاج مخيّم يستوعب نحو 120 ألف نازح الى مساحات شاسعة في سهل البقاع، لكنها غير متوافرة للأسباب الآتية:
– يرفض «حزب الله» وفاعليات بعلبك- الهرمل، إقامة مخيمات للنازحين في مناطقهم، فهم يريدون إبعاد هذا الخطر عنهم، وبعدما رفضوا تدفّق النازحين بالمفرّق، لن يوافقوا على حضورهم بالجملة، تخوّفاً من إحداث تغيّر ديموغرافي، إذ إن لا شيء يضمن عودة هؤلاء الى سوريا. علماً أنّ المساحات الجغرافية الشاسعة موجودة في محافظة بعلبك- الهرمل.
– الرفض الثاني سيأتي من أهالي زحلة ذوي الغالبية المسيحيّة، وذلك إذا تقرّر نقلهم إلى القضاء، لأنهم عاشوا وشاهدوا بأم العين ماذا فعلت المخيّمات الفلسطينية أيام الحرب الأهلية.
– إنّ الاقتراب من منطقة المصنع لإقامة مخيّمات، يتطلّب تنسيقاً مع النظام السوري، وهذا الامر لن تقبل به «14 آذار» في الحكومة، كذلك فإنّ النظام لن يتعاون في هذا الشأن.
– يتطلّب إقامة مخيّمات تمويلاً وموافقة دولية من الأمم المتحدة، لن يأتيا.
ويعمل المشنوق وسط الألغام السياسيّة، إذ إنّ الردّ والردّ المقابل والسجال كان حادّاً مع وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» الذين يرفضون إقامة المخيّمات وهم مع عودة النازحين الى بلادهم، لكنهم لم يبادروا تجاه النظام السوري، فالوزير جبران باسيل التقى نظيره وليد المعلّم وقال له: «نحن نفهم على بعض من دون أن نتكلّم»، لكنّ اللقاء لم يخرج بتطمينات أو تعهّدات من المعلّم بالعمل على حلّ هذه القضية.
وبالتالي سيُصرّ المشنوق في مجلس الوزراء على الذهاب الى النهاية في خطته التي وضعها بَعد تقارير أمنية ووقائع وصلته من أنّ المخيّمات في عرسال أصبحت بؤرة للإرهابيين، في وقت يتخوّف بعض الأوساط من أن يستخدم الخارج قضية النازحين مادة للإبتزاز السياسي للقول «إذا أردتم التخلّص من اللاجئين السوريين عليكم نسيان اللاجئين الفلسطينيين».
وعلى رغم أنّ هذا الملف قد يفجّر الحكومة من الداخل خصوصاً إذا اعترض أحد الوزراء على مشروع المشنوق، إلّا أنّ وزير الداخلية سيجول في الأيام المقبلة على القيادات السياسية لتسويق فكرته بعدما أخذ بركة الرئيس سعد الحريري، على أن يكتمل التصوّر النهائي للمخيّمات لاحقاً، بعد وضع الخطط الأمنية الكفيلة بضبطه، لكي لا ينتقل الإرهاب من مخيّمات عرسال الى المنطقة التي سترسو عليها خيم النازحين.