مهمتان رئيسيتان، نجح نهاد المشنوق في تأديتهما. الأولى في إدارته للاستحقاق البلدي وتقديمه بأبهى حلّة أمنية وإدارية، فاتحاً الباب أمام استحقاق نيابي «مفقود» منذ أكثر من ثلاث سنوات، بعدما نزع الذرائع الأمنية واللوجستية التي قد تحول دون إتمامه في موعده الدستوري المرحّل على دفعتين.. وأثبت أن «الصنائع» بكامل جهوزيتها لخوض هذا الاختبار.
والثانية التي لا تقلّ تحدياً، وذلك في الفصل بين سلطته وموقعه في «أم الوزارات» المسؤولة عن إدارة الاستحقاق، وكونه واحداً من قيادات «تيار المستقبل» الغارق حتى أذنيه في كشتبان البلديات، وها هو يتكبّد في الجولة الأخيرة من جولات المعارك المناطقية.. كبريات خسائره. إلا أنّ النائب البيروتي حيّد منبر «الداخلية» عن السجال السياسي، ممتنعاً عن استخدامه في الاتجاهين، أي في مهاجمة الخصوم وفي الدفاع عن «الرفاق» وتبرير الخسارة الطرابلسية المدوّية.
هكذا، أنهى وزير الداخلية «شهر البلديات» بنيله شهادة «جدارة» منحتها إياه القوى السياسية من دون أن تعلنها، وذلك لمجرد عدم تصويب أسهم الانحياز لرجل الصنائع وعدم اتهامه بتسخير أدوات الوزارة ومفاتيحها المرئية وغير المرئية لمصلحة فريق على حساب آخر.
ليست المرة الأولى التي يتولى فيها «تيار المستقبل» وزارة الداخلية، وليست المرة الأولى التي تُعهد اليه مهمة الإشراف على استحقاق دستوري، لكنها من المرّات النادرة التي يخرج فيها القائم على «أم الوزارات»، من حلبة المصارعة، نظيفاً، لم تلوثه تهمة «التورط» في الصراعات الانتخابية.
لهذا يحق لنهاد المشنوق أن يبدو مزهواً بأدائه وبقدرته على تحييد موقعه الوزاري عن زواريب البلديات التي لم تعفِ معظم القوى السياسية من شظاياها، مع العلم أنه لا يدّعي أنه قاد عملية انتخابية «كاملة» لا عيب فيها، لأنه حاول خلال المراحل الأربع معالجة مواقع الخلل التي كانت تظهرها الممارسات الميدانية وسدّ الثغرات الناتجة في العديد من الحالات من قلّة خبرة بعض الإداريين المكلفين إتمام العملية الانتخابية بفعل مرور أكثر من ست سنوات على آخر استحقاق دستوري.
واعتبر وزير الداخلية، في مؤتمر صحافي عقده لتقويم العملية الانتخابية، أنّ «المقارنة مع الانتخابات في العام 2010 غير عادلة ومنطقية لا تأخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية والأمنية والفروقات الكبيرة بين عامي 2010 و2016. إذ لم يكن في لبنان مليون ونصف المليون نازح سوري ولا حرائق تشب في كل مكان بالمنطقة، ولم يكن الخلاف السياسي يأخذ الطابع الحاد».
وأكد أنّ «الحيوية الانتخابية جعلت النتائج غير متوقعة في معظم القرى والبلدات، ما يعني أن السياسة في لبنان بخير، وأن اللبنانيين ليسوا كتلا صماء متحاربة، بل هم يسمعون ويتفاعلون ويختارون الأنسب. وهذه الانتخابات أعادت معنى السياسة إلى لبنان، وأعطت ضوء أمل للدول المجاورة».
أضاف: «برهنت نسب المشاركة في الانتخاب عن توق اللبنانيين ورغبتهم الجامحة في عودة المؤسسات إلى العمل، وفي التغيير بالأساليب الحضارية بديلا من العنف والفوضى والاستقواء بالسلاح وبالخروج على الدولة. ما عدا بيروت وطرابلس، نسبة التصويت تكاد تصل الى 50 في المئة».
ومن موقعه «الوطني» كما قال، دعا القوى السياسية الى «تفكيك الرسائل التي نتجت من الانتخابات، وأن تعيد النظر بأدائها وعناوينها ومفرداتها، تجاوبا مع عنصر الشباب، الذي أثبت من أكثر من موقعة انتخابية، أنه قادر على التغيير».
واعتبر المشنوق أنّ الخلل المذهبي الذي نتج من انتخابات طرابلس «جريمة وطنية أيا كان من ارتكبه ولأي سبب من الأسباب». وشدد على أن قانون الانتخابات النيابية «يحتاج إلى توافق سياسي غير متوفر الآن، والانتخابات بعد سنة، ويجب أن نصل إلى اتفاق حول القانون، وأشك بقدرة القوى السياسية على إنتاج هذا القانون»، معتبراً أنّه «لا مبرر للتمديد، الآن على الأقل، والجهوزية الأمنية والإدارية متوفرة، وقرار التمديد من عدمه يعود إلى مجلس النواب ولا يعود إلى وزارة الداخلية».
وكرر أنه «لا يستمر نظام سياسي في لبنان ويكون صالحا وسويا ومتوازنا من دون رئيس للجمهورية. وأي كلام آخر هو تضييع للوقت والجهد ومشروع اشتباك سياسي جديد. ولنفترض أننا أجرينا انتخابات مبكرة: ما هي أهمية أن ننتخب مجلس النواب، نورثه عجز المجلس الحالي عن انتخاب رئيس؟ أما عن الانتخابات في موعدها فلا مشكلة، لكن إذا أردنا تقريبها فسنقع في المشكلة عينها».
وكشف المشنوق «أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة استطعنا تعطيل ثلاث محاولات لشبكات تفجير من داعش كانت في إطار التخطيط والاستكشاف، وكشفتها الأجهزة الأمنية التي تستأهل كل الثناء على جهودها».