لم يُفاجئ وزير الداخلية نهاد المشنوق في قراءته الأمنية للتطورات في لبنان أياً من المراجع الأمنية. فهو لخَّص هواجسها على مستوى تطورات المنطقة وانعكاساتها على البلاد، إضافة الى انتقال المحكمة الخاصة بلبنان للبحث في الظروف السياسية لجريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري. لذلك لم يعد البحث وارداً في كونها مخاوف مشروعة أو مبرّرة. ولكن كيف؟
منذ أن تجدَّدت محاولات «جبهة النصرة» و«داعش» التحرّش بالجيش اللبناني على جبهات عرسال ومحيطها، أيقَنت المراجع الأمنية وجوب إعادة قراءة الوضع الأمني ورفع نسبة الجهوزية على مستوى القوى الأمنية في البلاد. فالتطورات على الساحتين السورية والعراقية بعد إنشاء الحلف الدولي ضدّ «داعش» فرضت مخاوف جديدة.
وجاءت كلّ التقارير التي وضَعتها الأجهزة الأمنية لتتلاقى ومضمون تقارير دولية، ما يُؤكد أنّ الحديث عن الإمساك بالوضع الأمني مكلف ومتعب، لكنّ الخرق وارد في أيّ لحظة على رغم الضمانات الدولية التي تحرص على الحدّ الأدنى من الهدوء في لبنان.
وتوقّف مرجع أمني أمام تداعيات خطف العسكريين ومسلسل التفجيرات بالعبوات الناسفة الذي استهدف اللبنانيين في عرسال، ليشير إلى محاولات لتسخين جبهة عرسال خصوصاً في المرحلة التي تمكّن فيها الجيش من توقيف واعتقال مجموعات مسلحة كانت في طريقها للتغلغل في لبنان او لملاقاة «النصرة» و»داعش» في عمليات تخريبية في الداخل متى جدَّدت عملياتها العسكرية على الحدود.
وتزامنت هذه العمليات مع فشل المجموعات الإرهابية في الوصول الى مناطق دافئة في القلمون السورية. ويُضاف الى ذلك ردات فعلها تجاه أحكام المجلس العدلي ضدّ الموقوفين الإسلاميين، وتوقيف الجيش العديد من قادة هذه المجموعات، وصولاً الى ردة فعلها عند توقيف رئيس المجلس العسكري في القلمون العقيد الركن المنشق عن الجيش السوري عبدالله الرفاعي، على رغم أنّه من ألدّ أعداء «داعش» و»النصرة»، سوية.
من هنا، رأت المراجع الأمنية في العمليات في جرود عرسال، نوعاً من الإستطلاع بالنار لجأت اليه المجموعات المسلّحة بعد فشلها في إستطلاع المنطقة بالنظر، وذلك لدرس ردّ فعل الجيش وحجم جهوزيته تجاه أيّ عملية يمكن أن تنفّذها في تلك المنطقة، بما يشبه عمليتَي 2 آب في عرسال، و6 تشرين الأول في جرود بريتال.
ومن هذه المخاوف الأمنية، تنطلق المراجع الأمنية لتُضيف اليها ما يمكن أن تنتجه الشهادات السياسية أمام المحكمة الدولية التي أعقبت الكشف عن وجود رقم هاتف الرئيس السوري الشخصي على شبكة منفّذي الجريمة.
ولعلّ ما كشفه الى اليوم الوزير السابق مروان حماده قد أعطى فكرة أوليّة عمّا يمكن أن تشهده المحكمة في حال توالت الإفادات السياسية، وتلك التي يحضرها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وما يمكن أن تتركه من ردات فعل على الساحتين اللبنانية والعربية، تزامناً مع البحث الدولي في مصير الرئيس بشار الأسد في المفاوضات الجارية بين أطراف الحلف الدولي وروسيا وطهران، والذي بات بنداً مدرَجاً في كلّ المفاوضات من الملف النووي الإيراني الى ملف «داعش»، وصولاً الى الطرح الجديد المنتظر من المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا.
وتعترف المراجع أنّ أياً من هذه المبادرات لم يَحتسب أيّ دور للأسد في مستقبل سوريا، فكيف إذا تلاقت هذه المعطيات مع ما يمكن أن تنتجه الإعترافات في لاهاي والتي لا يمكن التقليل من أهمية انعكاساتها على لبنان والمنطقة.
ذلك أنّ هناك مَن يعترف أنّ الإهتمام الدولي بأعمال المحكمة في هذه المرحلة يفوق إهتمام اللبنانيين. فكَيف إذا كشفت المحكمة مزيداً من الوقائع والإثباتات التي تقود الى اتهام الأسد مباشرة بالتحضير او الإيعاز بارتكاب جريمة 14 شباط 2005.
وبناءً على ما تقدّم، ألا يحق لوزير الداخلية أن يرفَع من هواجسه الأمنية في ضوء كلّ هذه التطورات مجتمعة، لترقى الى مرتبة يصحّ فيها القول إنها مشروعة ولها ما يُبرّرها.