لأنّ المبارزة الشرعية في البرلمان فقَدَتْ شرعيتها… فقد انتقلت الشرعية الشعبية الى برلمان الساحات عبر استعراض قوة الشارع في التشريع.
وإذا كان لكل شارع خلفية ثقافية، فقد تصدَّرتْ شعار الساحات ثقافة النفايات والشغور الرئاسي، وعندما تسقط ثقافة انتخاب رئيس للجمهورية الى مستوى الشارع تصبح متساوية مع ثقافة النفايات ويصبح انتخاب الرئيس بواسطة «الإقتراع بالأقدام».
من سخرية القدر وتفاهة العقل، أنَّ كل أمراء ساحات الشارع وأمراء ساحات السلطة يطالبون بانتخاب رئيس للجمهورية بمن في ذلك أمراء طاولة الحوار الذين يناط بهم انتخاب الرئيس، وقد «اكتشفوا» أن في هذا الإنتخاب تُحلُّ مشاكل كثيرة أبرزها: المشكلة الدستورية، مشكلة انتخاب الرئيس، مشكلة «فخامة» الحكومة، ومشكلة المتظاهرين مع الحكومة ونفاياتها.
كل هذه الساحات المستنفرة كالمتاريس: ساحة الإنتفاضات المدنية، والساحة البرتقالية والقمصان السود، وساحة البكاء على أطلال الشهداء في معراب، كان سبب قيامها الهائج، غياب ساحتين أساسيتين يتحدّدان حصراً بغبطة ساحة بكركي، «وغبطة» ساحة النجمة.
لو أنّ ساحة بكركي استطاعت أن توفّق بين أقطاب الموارنة وأن تكشف ما تخبِّئ النيات من شهوة الجنون المستور، لما استمر الشغور الرئاسي أربعمئة وأربعة وسبعين يوماً حتى الآن.
ولا يجتهدنَّ أحدٌ بالضحك على ذقوننا بأن مفتاح بعبدا مرصود حصراً بالسحر على يد الرئيس أوباما، وولاية الفقيه، وخادم الحرمين الشريفين… هذه ذرائع ساقطة، وإلّا فافرجوا عن اتفاقكم الداخلي وكذّبونا.
المرجعية المارونية الأولى، وضَعْنا في متناولها ثلاثة اقتراحات من شأنها أن تكشف المخبَّأ وتبدّد «الغبار الأصفر»… فوافقتْ ثم أَحْجَمتْ، لأن الأقطاب الموارنة منهم من يتبع القطب المتجمد الجنوبي، ومنهم من يتبع القطب المتجمد الشمالي، ومنهم من يضيع تائهاً في بحر الظلمات.
وحين حرّضنا بكركي على الإستنجاد بالروح القدس، تذرَّعتْ بأن الموضوع الرئاسي محكوم بالأرواح الشريرة وليس بالأرواح المقدّسة.
وأما الساحة الشرعية الرسمية التي يرعاها صاحب «غبطة» ساحة النجمة، فبعد أن نَفَذَ لديه الصَبْرُ على مدى ثمانية وعشرين جلسة نيابية بتراء لانتخاب الرئيس، وبعد أن أخذ الزحف الشعبي يتمدّد نحو البرلمان الممدِّد لنفسه، كان لا بدّ من تحدّي الذات البرلمانية حتى لو انتقل المجلس النيابي من حالة الإحتضار الى حالة الإنتحار.
وحده… صاحب تعدد «الأستذة» في الإختصاصات، لن يتجرع السمّ كالفيلسوف «أرسطو» أمام انهيار العدالة، بل هو يعرف جيداً كيف يقفز من قمة ساحة النجمة الى قمة نجومية الشعب.