IMLebanon

هكذا تكلّم مسعود بزشكيان!

 

 

يقول نيتشه في كتابه «هكذا تكلّم زرادشت»: «الشعب لا يفهم كثيراً ما هو عظيم، أي ما هو مبدع، لكنّه يملك حِسّاً لكل المستعرضين وكل الممثلين لأدوار الأمور العظيمة»!

الممثل ذو عقل، لكن ينقصه الوعي بالعقل، إنّه لا يؤمن إلّا بما يجعل الناس يؤمنون بقوة! ما يجعل الناس يؤمنون به هو!

 

وغداً سيكون له إيمانٌ جديد وبعد غد إيمان آخر، تماماً مثل الشعب يتمتع بحواس شديدة التسرّع! وبالتقلّبات المزاجية المتجدّدة! الإبهار يعني أن لديه برهاناً، وبلبلة العقول إقناعاً، والدم حجته الفضلى..

 

مُهرّجون كُثر تعجّ بهم السوق العمومية، والشعب يهلّل بالعظماء من رجاله! إنّهم أسياد الساعة في نظره!

 

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لـCNN في 24 أيلول 2024: «حزب الله غير قادر على الوقوف أمام إسرائيل بمفرده» – في حين غاب عن ذاكرة الرئيس الإيراني بزشكيان أنّ نظامه هو مَن جعل من «حزب الله» «سوبرمان» – وتحدّث بزشكيان مع الشبكة الأميركية بينما يجتمع زعماء العالم لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي من المتوقع أن يهَيمن على جدول أعمالها تصاعد الأعمال الحربية بين إسرائيل و»حزب الله» في لبنان. وعندما سُئل عمّا إذا كانت إيران ستحُثّ «حزب الله» على ضبط النفس في ردّه على الضربات الإسرائيلية، أجاب بزشكيان أنّ «حزب الله» يواجه دولة «مسلّحة بشكل جيد جداً ولديها إمكانية الوصول إلى أنظمة أسلحة تفوق بكثير أي شيء آخر»، وحذّر قائلاً: «لا يجب أن نسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى على أيدي إسرائيل» من دون أن يلاحظ مدى تدخّل بلاده في شؤون الدول الأخرى.

 

وأردف الرئيس الإيراني: «لا يستطيع «حزب الله» أن يفعل ذلك بمفرده. لا يمكن لـ«حزب الله» أن يقف بمفرده أمام دولة تدافع عنها وتدعمها وتغذّيها الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية». وحذّر بزشكيان من أنّ الأحداث قد تتحوّل إلى صراع إقليمي، والذي «يمكن أن يكون خطراً على مستقبل العالم وكوكب الأرض نفسه» – من دون أن يذكر أنّ جميع حروب إيران بالوكالات الحصرية كما شاهدنا ونشاهد من أجل تنفيذ مفاعلها النووي والهيمنة على الشرق الأوسط كشرطي أو اللاعب الرئيسي في منطقة نصف احتياطي النفط والغاز في العالم، لذلك – مضيفاً، يجب أن نمنع الأعمال الإجرامية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل».

 

وفي تصريح له أكثر غرابة في السابع عشر من الشهر نفسه، صرّح رئيس النظام الإيراني الذي جاء من صندوق الإصلاحيِّين، ناسياً أو متناسياً أنّه رئيس جمهورية نظام الملالي الذي رفع شعار إسقاط الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر في عام الثورة الأولى 1979: «نحن في إيران لا نعادي أميركا… نحن إخوة، وإذا التزمت واشنطن بحقوقنا العالقة والمجمّدة فلن يكون لدينا خلاف».

 

في حين، أصبح القاصي والداني يعلم كيف بدأت إيران مؤخّراً في رفع يدها عن أحد أهمّ أذرعها الضاربة على مذبح المصالح الإيرانية، في استباحة أكثر من أربع عواصم عربية في حروب وموت لا ينتهي بحجة تحرير فلسطين والقدس والأقصى ومن دون ذِكر ولو لمرّة واحدة الأراضي العربية المحتلة من إيران الشاهنشاه وإيران الولي الفقيه من الأحواز إلى جزيرة أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى!

 

وفي حين، اعترف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قبل أيام عدة، أنّ الاحتلال الإسرائيلي سعى عبر اغتيال هنية في طهران إلى جرّنا إلى حرب إقليمية. صرّح بزشكيان في مؤتمر صحفي بثّه التلفزيون الإيراني، يوم الاثنين في 16 أيلول 2024: «التزمنا بضبط النفس ونحتفظ بحقنا في الردّ بالأسلوب والوقت المناسبَين». على جانب آخر، قال بزشكيان: «لا نعادي الولايات المتحدة. عليهم أن يوقفوا عداءهم تجاهنا من خلال إظهار حسن نيتهم عملياً. نحن أخوة للأميركيِّين أيضاً. إذا التزمت واشنطن بمراعاة حقوقنا فلن يكون لدينا خلاف معها، لكنّنا لن نخضع إلى الإذلال. ولا أدري، أو أدري أنّه ليس هناك إذلال أكثر من هذا الإذلال!».

 

نظام ما يُسمّى ولاية الفقيه، أو الولي الفقيه أو المرشد الأعلى في هذه الأيام الوجودية بامتياز وجودي لا يقبل التأويل يختبئ تحت عباءة «الإصلاحيِّين» ولا «الضالين» من دون أن يدري أو يدري أنّ مدينة غزة أصبحت أنقاضاً على أنقاض… ومعظم مدن وقرى القطاع مهدمة مقطوعة الأوصال… ومعظم الشهداء الأطفال والنساء والشيوخ والرجال يرقدون تحت الركام من دون صلاة ومن دون أكفان. وهل يعلم نظام الآيات (….) أنّ النزوح داخل قطاع غزة قد وصل إلى ما يزيد عن المليونَي حُفاة وعراة من دون هواء أو ماء أو طعام…

 

الشعب الفلسطيني في القطاع، من نزوح تحت المطر من دون غطاء إلى نزوح تحت النيران العدوة والصديقة من دون تغطية أو غطاء!

 

هل يعلم أو لا يعلم رئيس إيران المنتخب مسعود بزشكيان ونظامه مِن خلفه أو مِن فوقه أو مِن تحته، ما يحدث ويحدث في لبنان منذ سنوات وسنوات، وخصوصاً منذ الثلاثاء 23 أيلول 2024 للتاريخ والتأريخ، من موت تجاوز الـ500 في ساعات عدة، وجرحى ما يقرب الـ2000 في أقل من يوم واحد، ومفقودين يعلم الله بهم، ودمارٌ وكأنّه يوم القيامة وقيامة بعد القيامة ونزوح أكثر من نصف مليون نازح وعطش وجوع…

 

على نعمة المعزوفة إياها «استوعبنا الضربة وها نحن نعيد التوازن مع العدو الصهيوني وردَدنا الصاع صاعَين» وأكثر أو أقل قليلاً… أعتقد إنّنا لسنا في زمن التفكير. وهل سيأتي ذلك والشعب أمسى مدمناً من التخدير المزمن، الجواكر في اللعبة أضحوا معروفين، تجار الدم كذلك؟

 

وصف أمين معلوف، الإنسان التائه في مجاز مختبئ في المجاز والمعنى، متى تعرف أنّك تائه؟

عندما تقف في بلادك، وعيناك ترنوان إلى بلاد أخرى،

عندما تقف في بلاد لم تنشأ فيها وعيناك ترنوان إلى بلادك،

عندما تبقى في بلادك وعيناك على مستقبل تراه مستحيلاً،

عندما تبقى في بلادك، وعيناك على ماضٍ لن يعود أبداً.