IMLebanon

مقبرة جماعية» على أوتوستراد ضبيّة

بالنسبة إلى الجالس تحت المكيّف في منزله هي مجرّد زحمة سير، وبالنسبة إلى آخرين هي خطأ في التوقيت، وآخَرون يعتبرونها مشكلة إنماء وتخطيط أو قلّة تنظيم بلدي وأمني… أمّا بالنسبة إلى كلّ «المنقوعين وغير المكيّفين» في زحمة السير «بطقّة الضهر بنصّ تمّوز»، هي حرفياً مقبَرة جماعية إنقبروا فيها لساعتين وثلاث أو أكثر لعبور منطقة ما بين النهرين، الكلب والموت، وصولاً إلى الدورة وما بعد بعد الدورة.

لا في عيد ولا فرصة ولا مصاري ولا ازدهار ولا بحبوحة ولا في ضرّاب السخن… دخلكُن على شو هالعجقة؟ وإلى أين يتّجه جميع هؤلاء الأشخاص، وعمَّ ينقّبون في هذه الطرقات، وعلامَ يفتّشون؟

من المؤكّد أنّ جميع العالقين في زحمة السير على طول الخطّ الساحلي من كسروان مروراً بالمتن ووصولاً إلى بيروت هم ضحايا التقصير والإهمال والاستلشاق بأوقات الناس وحياتهم وصحّتهم وأعصابهم.

في العالم كلّه تُمطر السماء من فوق إلى تحت، إلّا على أوتوستراد ضبية، فهي تُمطر بالعكس، من داخل السيارات إلى رؤوس المسؤولين في هذا البلد، تُمطر مسبّاتٍ وكُفراً وجُملاً محمّلةً بأكبر كمّيةِ كراهيةٍ وضغينة وغضب وقرَف من الفساد الذي بات معشِّشاً في كلّ شيء، «حتى في بَرمة دولاب السيارة على الزِفت الحامي…».

وزارة الداخلية تقول إنّ الأزمة مشكلة وزارة النقل، والأخيرة تُلقي اللوم على وزارة الأشغال، والأشغال تشكو من وزارة المال… أكيد أنّ ليس هناك مسؤولاً مباشراً عن هذه الزحمة، لأنّ المشكلات في لبنان باتت بحاجة إلى علّاقة مفاتيح توضَع على خصر الجمهورية، لعلّ حرتقتَها تُذكّر مسؤولاً مكيّفاً في مكتبِه بواقعنا المقيت… ولكنّ المواطن يسأل عمّا إذا كانت وزارة الصحّة لها يد في الموضوع وتُغطّي صحّياً المواطنين الذين لم يتوافَر في جيوبهم مالٌ لإصلاح المكيّف في سياراتهم، والذين فَقدوا أعصابهم على الطرق وضاقت بهم الحياة بسبب «البهدلة» اليومية التي تضاف إلى «بهدلة» تحصيل لقمة العيش… فهُم بعد كلّ مشوار يحتاجون إلى استشارة أطبّاء نفسيين وآخرين متخصّصين بالأعصاب والجهاز الهضمي والمسالك البولية والبواسير (من كِترة القعود).

ونظراً إلى تقاعس الدولة عن أداء مهمّاتها التي لا تحتاج إلى موافقات دولية وإقليمية، لا شكّ في أنّ «جحش الدولة» يمكن أن يلعب دوراً محورياً في التخفيف من الحِمل المروري والتنفيس من التضخّم على المسالك الشرقية والغربية.

ولكنّ الجرّافة هي بلا شكّ الحلّ الأنسب في الوقت الحالي لوضع حدّ لهذه الزحمة… جرّافة تَقتلع جسر الـ»سيتي مول» من أساساته وترمي الردمَ في حديقة من هندسَه، وجرّافة أخرى تبدأ اليوم الحفرَ لبناء جسر جلّ الديب، وجرّافة لتحقيق أحلامنا في توسيع أوتوستراد جونية وكلّ الطرق التي من موديل الانتداب الفرنسي، وأخرى لطمرِ كلّ مسؤول ومهندس مقصِّر في التخطيط والتنفيذ والإنماء.

اللهمّ إغفر ذنوبنا وأغدِق نعَمك علينا، وزِد البنزين في خزّاناتنا والغازَ في مكيّفاتنا وطولَ البال في أعصابنا، حتى لا نموت في مقابر طرقات بلادنا الجماعية.