Site icon IMLebanon

مذبحة بلا دماء..ولا «حياء»

على بعد زمني لا يتجاوز الـ 24 ساعة من إنعقاد مؤتمر حول مستقبل سوريا في مدينة بروكسيل اليوم، بدعوة من الإتحاد الأوروبي وبمساهمة الأمم المتحدة، كان طيران النظام السوري يرتكب إحدى أبشع مجازره في بلدة خان شيخون في ريف إدلب من خلال قصفه المدنيين بالغازات السامة حاصداً أكثر من 50 قتيلاً و200 جريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. وقد رجحت المعطيات الأولية، أن تكون المادة المستخدمة في القصف هي غاز السارين في وقت أكدت فيه فرق الدفاع المدني والجمعيات والمؤسسات الإنسانية، أن عدد الضحايا الفعلي، قد تخطّى الرقم أعلاه بكثير.

ليست المرة الأولى التي يرتكب فيها النظام السوري مجازر بحق شعبه تحت مرأى ومسمع العالم كله، وخصوصاً حلفاؤه وعلى رأسهم «حزب الله» الذي لم يخرج عنه منذ العام 2011، منذ بداية الأزمة السورية، أي بيان إستنكار أو حتى جملة تُدين هذه الجرائم التي يبدو أنها أصبحت علامة فارقة تدل على أفعال هذا الحلف وإرتكاباته وتمُيّزه عن بقية الجماعات المسلحة، حتى قبل الغوص في تفاصيل التحقيقات الدولية والمحلية. والأنكى من عدم الإستنكار أو الإدانة، تلك الإتهامات التي يسوقها الحزب والمحور «الممانع» بتوجيه الإتهامات للمعارضة السورية بوقوفها وراء المجازر رغم التقارير الدولية والإعلامية التي تؤكد بالصوت والصورة مسؤولية حليفه عن أكثر من تسعين في المئة من المجازر التي ارتكبت منذ بداية الحرب السورية، وتحميل الجزء المُتبقّي للعصابات الإرهابية التي يدعمها النظامان الإيراني والسوري بالتكافل والتضامل.

ذبح بلا دماء. هو التوصيف الأصح لمجزرة الأمس التي ارتكبها «بشار الكيماوي» ووقف على ضفافها حلفاؤه من داخل لبنان وخارجه. لم تُشعر مشاهد هؤلاء الضحايا، الذين تبيّن أن من بينهم عائلات أُبيدت بأكملها، والتي وزعت بحسب الأرقام بعد أن تشابهت الأجساد الممدة على أرض المستشفيات والمؤسسات الإنسانية والإجتماعية، «أبطال» الممانعة بأي حرج تماماً كما لم تشعرهم من قبل مجزرتي «دوما» و«الغوطة» بأي تأنيب ضمير ولا حتى دعتهم مجزرة خان شيخون إلى جلسة مع الذات بهدف مراجعة حسابات الربح والخسارة ولا التفكير مليّاً في مستقبل الطائفة الشيعية التي يسعى «حزب الله» ومعه الإيراني، إلى تلطيخ تاريخها بدماء الشعب السوري واستعدائه لفترة من المؤكد أنها سوف تمتد لأجيال مُقبلة.

وزارة الدفاع الروسية، نفضت يدها من المجزرة فأوضحت في بيان أن «طائراتنا لم تنفذ أي ضربات جوية في إدلب»، لكن هذا النفي لم يمنع تحريك الضمير العالمي، حيث دعت فرنسا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث الهجوم الكيميائي في مدينة خان شيخون. وقال وزير خارجيتها جان مارك إيرولت بعد وقت قليل من وقوع المجزرة: «وقع هجوم كيميائي جديد وخطير هذا الصباح في محافظة إدلب.. المعلومات الأولية تشير إلى أن هناك عدداً كبيراً من الضحايا بينهم أطفال.. أدين هذا التصرف الشائن. وفي ظل هذه التصرفات الخطيرة التي تهدد الأمن الدولي، أدعو الجميع إلى عدم التملص من مسؤولياتهم. ومع وضع هذا الأمر في الاعتبار، أطلب اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن». وكشف مدير صحة إدلب أن هناك عجزاً كبيراً في الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، وأنه ليست هناك إمكانات كافية للتعامل مع الإصابات، مؤكداً أن هناك حالة إستنفار كامل في ريف إدلب منذ أمس الأول بسبب استهداف المشافي».

من جهتها، حمّلت مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني النظام السوري مسؤولية الهجوم «الكيميائي الرهيب»في سوريا. وكذلك أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأن الهجوم يهدد مفاوضات السلام. ومن المعلوم أن المادة 21 من القرار الدولي رقم 2118، تنص على أنه في حال استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي فعلى مجلس الأمن أن ينعقد وأن يتخذ القرار وفقاً للفصل السابع الذي يجيز التدخل في الدول. لكن هذه المادة لم تُطبق على النظام بالرغم من الأدلة والبراهين القاطعة، التي أكدت تورط نظام بشّار الأسد بالعديد من الجرائم الإنسانية بحق شعبه، تماماً كما فعل والده من قبله المسؤول عن مجزرة جسر الشغور في إدلب ومجزرة سجن تدمر الصحراوي ومجزرة حلب وصولاً إلى المجزرة الأكبر والأضخم في تاريخ آل الأسد وهي مجزرة حماة.

ويختلف المؤرخون في عدد ضحايا المجازر التي طالت معظم أحياء حماة على يد الأسد الأب، إذ يقول الكاتب والصحافي البريطاني روبرت فيسك: «إن 25 ألفاً من سكانها قتلوا، بينما ذهب البعض إلى أن عدد القتلى فاق 60 ألفاً، معظمهم إعدامات جماعية وذبح بالسكاكين، عدا عن إعتقال الآلاف من أبنائها».

أمام هذا الواقع وعلى أبواب المؤتمرات المُتعلقة بمستقبل سوريا والتي تُعقد بين الدول، يتأكد كل يوم بأن نظام بشّار الأسد لا يُمكن أن يكون جزءاً من الحل في سوريا خصوصاً وأنه قد امتهن قتل الأطفال والنساء والشيوخ منذ ست سنوات، وإلى اليوم ما زال يسير على النهج نفسه حيث يقوم بتوزيع جرائمه بالتوازي، بين حلب وإدلب وحماة والغوطة، لكن الأبرز، يكمن في السؤال عن الدور الذي يقوم به «حزب الله» في هذه الحرب والذي يُفترض أنه عانى من الأمر نفسه في زمن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، مع العلم أن صمته يحوّله في مكان ما إلى شريك سواء أكان مُشاركاً في بعض جرائم النظام، أو ساكتاً عنها.

بالأمس استسلم «حزب الله» مجدداً لصمته بعد مجزرة خان شيخون. قد تكون دواعي الحلف تتطلب منه سكوتاً كهذا وربما أكثر يمكن أن تصل في بعض جوانبها إلى حد المساهمة الفعلية ليبدو وكأن هناك تناغماً يصل إلى حد الشراكة والتواطؤ على الشعب السوري، مع العلم أن صمته عن المجازر يجعله شريكاً فيها، الأمر الذي لا يعكس على الإطلاق ولا يتطابق مع الحملة التي كان أدارها بعد مجزرة «قانا» حيث رفع يومها شعارات «إنتصار الدم على السيف» وسط تأييد عربي ودولي واسع أدى لاحقاً إلى إسقاط الحكومة الإسرائيلية. بينما يراه العالم كله اليوم كيف يقف عاجزاً حتى عن الإستنكار.