فجأة صار مسعود الأشقر هو الخبر. قبل ساعات من إقفال العام 2020 بكل بشاعتها ومرارتها، يجتاح خبر تعرضه لوعكة صحية، نتيجة اصابته بذلك الفيروس اللعين ما استدعى إدخاله العناية الفائقة، مواقع التواصل الاجتماعي وإشعارات الأخبار العاجلة. ما أقسى هذه السنة، وما أكثر ويلاتها، كانت بلا رحمة أبداً. أبت أن تغادر من دون إلقاء جرعة إضافية من شعوذاتها وسمومها، لتطال “آخر المقاتلين الطيّبين”!
كيف يمكن لقلب “بوسي” وهو اللقب الذي اعتاد رفاقه أن ينادوه به، أن يتوقف فجأة؟ هل يعقل أن يكون لهذا الرجل الهادئ، الدمث الأخلاق، الخدوم، المحب، المتواضع، المتعالي عن الأضواء والبهرجة والمنابر، قلبان اثنان؟ قلب طفل لا تغادر البسمة محياه ولا يعرف الشرّ طريقاً الى سلوكه ويومياته، لم يقوَ على تحمّل ضربات الفيروس الخبيث. وقلب مقاتل شرس لا يدرك الخوف، خاض المعارك وصمد في حرب المئة يوم، كما ذكّره أحد الأصدقاء، لا يزال يقاوم رغم الوجع والألم.
قد لا يعرف البعض من هو مسعود. لكن الأشرفية، بقديمها وجديدها، تحفظ سيرته عن ظهر قلب، كما تحفظ قدماه أزقتها وشوارعها ومنازلها ودور عبادتها ومستشفياتها… قد يقدّر لك أن تلتقيه يومياً خارجاً من صالون كنيسة أو على باب مدخل للطوارئ. وبمقدوره بين الزيارتين أن يرد على عشرات الاتصالات. لا شغل له ولا وظيفة إلّا الخدمة العامة طوال الساعات الأربع والعشرين . هو فعلاً يمتهن واجبات الشأن العام. لا مكتب خدمات يسهّل تلبية طلبات الناس وما أكثرها في هذه الأيام، ولا حساب مصرفياً يغرف منه، يساعده في مواجهة “حيتان” السلطة والمال. ومع ذلك لم ييأس من المحاولة عبر صناديق الاقتراع.
المقاتل العتيق خاض الانتخابات عام 2000 منفرداً، وفي العام 2009 تحالف مع “التيار الوطني الحر” في وجه نديم الجميل. كذلك فعل في العام 2018، ولكن مع “سكّين” الصوت التفضيلي. لم يكن سهلاً على نديم الجميّل أن يفوز بـ4096 صوتاً تفضيلياً فقط مقابل 3762 صوتاً لمسعود الأشقر، رفيق بشير الجميل. التفصيل هنا يكمن في أن الأشقر خاض المعركة باللحم الحيّ، لا هو حزبي كي يجيِّر له حزبه أصواتاً، ولا هو نائب أو وزير، ولا هو أحد أبناء الطبقة المخملية. رأسماله الوحيد أنه موجود دائماً إلى جانب الناس ويخدمهم بما هو متوافر. رغم ذلك، الـ334 صوتاً فقط حالت دون إلحاق هزيمة بابن بشير الجميّل.
“الفتى الكتائبي” الذي أمضى أكثر من 15 سنة في صفوف الحزب مقاتلاً، مع بيار الجد، وبشير، خاض الاختبار الصعب على دورتين متتاليتين وقد أحرج كُثراً من أبناء العاصمة، ممن يحفظون لـ”المرشح الدائم” جميلاً، أو خدمة أدّاها، أو وقفة إلى جانبهم… ويحتفظون ببشير في حلم لم يستيقظوا منه. ومع ذلك، لم يستكن.
تناقض الخيارات السياسية مع “المؤسسة الأم”، أو بالأحرى مع “أبنائها”، لم يُخرج الرجل يوماً من هدوئه. احتفظ دوماً بكل أدبيات الاحترام واللياقات الاجتماعية مع الرئيس أمين الجميل، ونجله سامي، وحتى مع نائب العاصمة الماروني، إذا ما تواجد وإياهم في أي مناسبة اجتماعية. ومع ذلك، لم يجلس مع واحد منهم الى طاولة مستديرة، ليتناقشا في الماضي، ولا حتى في المستقبل.
شارك مع بشير في تأسيس “القوات” حين عُهد إليه إنشاء أول وحدة قتالية محترفة. لكنه انكفأ عن العمل العسكري في لحظة الاقتتال الداخلي والانتفاضات والانقسامات.
مسعود لم يعد منذ زمن، إرثاً حصرياً للكتائب أو “القوات”. صار اسماً مرادفاً للأشرفية بكل تلاوينها، السياسية والحزبية والاجتماعية. يوم الخميس، كان قلبه ضيفاً على قلوب الألوف من المحبين الذين فُجعوا بخبر تعرضه لانتكاسة خطيرة، من الكتائبيين والقواتيين الحاليين والسابقين، القدامى، من شباب تعرفوا إليه بعدما خلع بزّة الحرب وارتدى الكرافات، من ناس سمعوا عنه من الآخرين. والتقى الكثير منهم مساء السبت، رغم حراجة الوضع الصحي، لتلاوة الصلاة على نية شفائه وسط ساحة ساسين، مطرحه المفضّل، ورفعوا الشموع والأدعية: ناطرينك يا مسعود!