تكاد انتخابات 2022 تفقد نكهتها، بعدما غرقت المعارضات في مستنقع الخلافات واتّهامات التخوين والتحالفات غير المقنعة، فيما تعاني القوى السلطوية من تشوّهات بنيوية وسلوكية وهي مرذولة شعبياً، تجعلها أقوى الضعفاء، لا أكثر. ولا تختلف دائرة المتن الشمالي عن غيرها من الدوائر، إلّا بكونها ساحة تنازل شرسة لكل القوى المسيحية، بيمينها ويسارها، موالاتها ومعارضتها.
الاجتماعات تتركز على تأليف اللوائح، وهي مهمة باتت صعبة جداً نظراً لشحّ الترشيحات، على خلاف الدورات السابقة التي كانت تشهد طفرة مرشحين وطامحين وواهمين… أمّا اليوم، فتجري القوى الأساسية عملية بحث وتحرّ عمّن يستطيع تأمين بعض الأصوات التفضيلية علّه يرفد اللائحة «بدفشة» لتأمين الحاصل، أو لضمان حاصل إضافي.
لا يزال «التيار الوطني الحرّ» هو الأول في قضاء المتن، فيما تضع «القوات» حاصلها في جيبها مع ترشيح ملحم رياشي «مرشّح الحياد البطريركي» كما وصف نفسه، وتعمل على تأمين الحاصل الثاني وهي تضمّ إلى اليوم أربعة مرشحين ويجري العمل على استكمالها. وتسعى الكتائب إلى حمل لافتة المعارضة والحراك الشعبي لتوسيع حضورها النيابي في معقلها الحزبي، لكن رفض بعض المجموعات شراكتها قد يجعل مشروع توحيد المعارضات مهمة مستحيلة، وقد يحول دون حصول هذا الائتلاف لتزخيم موقع الكتائب في المتن.
بالموازاة، المشاورات جارية على قدم وساق لتجميع المعارضات في جبهة واحدة بدون الكتائب (احتمال التحالف مع الحزب يكون في مرحلة لاحقة). ثمة تقدّم حاصل، لكن النتيجة غير مضمونة، خصوصاً أنّ دائرة بعبدا لا تزال تعاني من إشكاليات في حسم النقاش حول ترشيحات أحد المقاعد المارونية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على دائرة المتن لارتباطها بالكتائب، فيما سيزيد احتمال ترشّح شربل نحاس في المتن من الصعوبات التي تواجه الكتائب لرفضه التحالف مع «الحزب اليميني».
ولهذا ثمة مسعى رديف يقوده أحد المرشّحين لتأليف نواة لائحة معارضة بلا حزب الكتائب في محاولة لخلق دينامية جديدة قادرة على رفع لافتة المعارضة، وقد تظهر النتائج خلال الأيام القليلة المقبلة خصوصاً أنّ باب الترشح سيقفل خلال أقل من 15 يوماً.
لكن المفارقة الأكبر، والأشبه بفضيحة الانتخابات، هي سياسة القفز التي يمارسها البعض، بين خنادق الاصطفافات السياسية، بحثاً عن شريك يساعد على تأمين الحاصل. ويعتبر آل المرّ نموذجاً في هذا الأداء. إذ تنقّل الياس المرّ ونجله، في الاتصالات والمشاورات بين الكتائب، «التيار الوطني الحر»، وصولاً إلى الطاشناق حيث حاول وزير الدفاع السابق الايحاء بأنّه نجح في إحياء تحالف قديم بين الحزب الأرمني وآل المرّ، لضمّ نجله إلى هذا التحالف، فيما الحقائق تقول غير ذلك.
أكثر من ذلك، فإنّ الزيارة التي قام بها المرّ، ممسكاً بيد نجله، إلى مقرّ الحزب الأرمني، دليل فاضح على التحوّل الدراماتيكي الذي أصاب العائلة، والتي تحوّلت من إمبراطورية خدمات ونفوذ عبر البلديات والإدارات والمديرين العامين وكبار الموظفين والضباط والقضاة، جعلت من «العمارة»، عاصمة القضاء السياسية، إلى مجرّد «طلب ضمان» المقعد النيابي، إذا ما جرى إقناع أي شريك بتأمين الحاصل الانتخابي. وهذا ما دفع البعض إلى القول: «بعض من خلّفوا… ماتوا».
إذ تؤكد المعطيات أنّ الطاشناق لم يحسم تحالفاته بعد ولم يعط كلمته لأيّ طرف، وهو لا يزال بصدد التدقيق في كلّ الاحتمالات وكل الشغل ينصبّ على الحفاظ على حجم التصويت الذي حقّقه في الدورة الماضية. ثمة نقاش جدّي وعميق مع الأطراف كلّها لأنّ القانون يقضي بوضع الأرقام على الطاولة والتعامل معها بكثير من البراغماتية.
لا بل هناك من يعتقد أنّ الحزب الأرمني يميل إلى تجديد تفاهمه مع «التيار الوطني الحر» في بيروت حيث يحتاجه العونيون، وفي المتن حيث هو يحتاج إليهم، لاعتبارات مصلحية ترتبط بحسابات الربح والخسارة.
وتدلّ الأرقام على أنه في حال تراجع الياس أبو صعب عن قرار اعتكافه، وهو احتمال قوي جداً، فإنّ الأخير سيتصدّر قائمة المرشحين الأرثوذكس في عدد الأصوات التفضيلية، وبالتالي سيتجاوز ميشال الياس المرّ الحفيد، ما قد يعطي فرصة لمرشح الطاشناق للفوز بالمقعد في حال التحالف مع آل المرّ. أمّا في حال لم ير هذا السيناريو النور، فمن المحتمل أن يكون ميشال المرّ الأول وبالتالي سيخطف الحاصل الانتخابي من أمام الطاشناق. ما يعني أنّه لا مصلحة للحزب الأرمني بالتحالف مع آل المرّ وتقديم المقعد. ولهذا لا تزال كل الاحتمالات مطروحة أمام الطاشناق. كما يتردد أنّ الياس المر قد يعيد النظر بترشيحه ويعود إلى الحلبة إذا ما شعر أنّ نجله قد يتعرّض لسقوط مدوّ في بداية مشواره السياسي، خصوصاً أنّه يعاني من إرباك في تكوين هويته السياسية، فهو وريث ابن وريث سياسي فيما يتم تقديمه كـnew brand، مع العلم أنّ وضع الوالد ليس أفضل حالاً لكونه بعيداً عن القواعد الشعبية ولا يتمتّع بالهيبة التي كانت لوالده والتي دفعت بعضاً من ناسه إلى إعادة انتخابه في الدورة الأخيرة كعربون وفاء، وبدليل طفرة الترشيحات «البتغرينية» راهناً…