لعلَّ التوصيف الأدق لِما جرى في القنيطرة في سوريا، هو ما قاله أحد الخبراء في السياسة من إنَّ العدو الإسرائيلي لديه إستراتيجية واضحة قائمة على أنَّه لا يجوز للبنان أن يكون مرتاحاً، وهذه الإستراتيجية تجعل هذا العدو يدخل على الخط اللبناني كلما تحقَّقت خطوات إيجابية في البلد، فيأتي التدخل في محاولة مشينة للعودة بالأوضاع إلى الوراء.
***
لكن يبدو أنَّ التطورات أبعد وأخطر من مسألة الدخول على الخط لامتصاص الإيجابيات، فالعالمون بالخرائط الإستراتيجية يرون في ما حصل أجندة إسرائيلية، عليها تدوينتان:
المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، والتدوينة الثانية الإنتخابات الإسرائيلية:
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد لمفاوضات النووي أن تتقدَّم. دوائر صنع القرار في تل أبيب وضعت على طاولته تقريراً، مفاده أنَّ المفاوضين قدَّموا موعد المفاوضات من مطلع الصيف إلى مطلع الربيع، في محاولةٍ منهم لإحداثِ خرقٍ في هذا الملف الشائك، فهل اختارت إسرائيل توقيت الضربة لإحراج حليفتها واشنطن؟
في إنتظار الجواب، هناك البند الثاني في أجندة نتنياهو وهو اقتراب موعد الإنتخابات الإسرائيلية، فالعسكري الجالس على كرسي رئاسة الحكومة في تل أبيب يريد أن يُفهِم الناخبين أنَّه مؤتمن على أمنهم من خلال ضربات إستباقية، وما الغارة على منطقة القنيطرة سوى واحدة من هذه الضربات الإستباقية، وهكذا يعتقد نتنياهو بأنَّه من خلال هذه الضربة يكون قد أمَّن فوزاً في ولاية رابعة في رئاسة الحكومة.
***
أين لبنان من كلِّ هذه المخطَّطات والمخاطر؟
الخَطْبُ جلل، التطورات خطيرة، لكن هل الحكومة واعية ومستوعبة لهذه المخاطر؟
بالتأكيد لا رؤية ولا ترقُّب ولا استباق للمخاطر، بل التعاطي بانفعال وبردَّات فعل مع الملفات الداهمة.
يأتي في مقدمة الأمثلة على هذا التعاطي الذي تغلب عليه ردات الفعل، كيفية مواجهة الإستحقاق البحريني إذا صحَّ التعبير، فالحملة التي شُنَّت على البحرين يُخشى أن تؤدي إلى ردة فعل قد تتسبَّب بالإضرار بالجالية اللبنانية هناك، فماذا سيفعل مجلس الوزراء بهذا الملف في جلسته الخميس المقبل؟
وهل سيزيد هذا البند كبند مستقل على بنوده التسعة والخمسين أم أنَّه يخشى عدم الإجماع في هذا الملف؟
***
وكما الحكومة تتعامل بردات فعل وبإنفعال مع الملفات الإستراتيجية، كذلك تتعاطى بالمنحى ذاته مع الملفات البيئية والحيوية، وأسطع دليل على ذلك ملف النفايات. سبعة عشر عاماً على وجود مطمر الناعمة لم تجعل السلطة التنفيذية تجد البديل يوم انتهى عقد المطمر، وهكذا وصل إستحقاق 17 كانون الثاني وكأن الحكومة فوجئت بهذا التاريخ! والسؤال هنا:
هل ستفاجأ أيضاً بعد ستة أشهر، موعد الإقفال الثاني للمطمر، بعد سقوط موعد الإقفال الأول؟
وزير البيئة محمد المشنوق باشر البحث عن المواقع المقترحة للمطامر، التي ستنشأ في المناطق الجغرافية الجديدة.
إنَّ التفتيش اليوم دليل إضافي على أنَّ الحكومة لم تكن جاهزة، فإذا كانت كذلك في ملف النفايات فكيف بالملفات الأكثر شأناً؟