16 أيار يوم آخر .. سقوط التهريج وعودة إلى التسويات والواقعية السياسية
تُجسَّر الهوات المحيطة بلبنان وتُعالج، هوة تلو هوة، من غير أن يسعى أو ينجح في توظيف الإيجابيات الإقليمية. ربما لأن الوقت هو وقت المعركة الإنتخابية، حيث لا نفير يعلو عليها. حتى خطط التصحيح والنهوض خمَدت راهنا في إنتظار الإنتهاء من الإنتخابات.
المؤكد أن 16 أيار يوم آخر. ستُقفل الشعارات المائعة التي تقدّمها أحزاب ومجموعات لزوم الإستقطاب الإنتخابي.
بعد 16 أيار، سيعود الجميع الى رشدهم، الى الواقعية السياسية التي تحكم النظام وتتحكّم به منذ العام 1943. وهي تفترض فيما تفترض، أن البلد قائم على تسويات، أحيانا كاملة لكنها بمعظمها جزئية، وأن لا مفرّ منها أنى بلغ الخطاب والتخاطب والتأزم.
وفي رأس الواقعية السياسية سلاح حزب الله والإحتلال الإيراني، وهما بالتأكيد متلازمان، ويحتلّان راهنا موقعا متقدّما في أدبيات القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي على سبيل المثال. عليهما علّق الحزبان مصائب البلد، من أزمات متسلسلة كيانية ووجودية وإقتصادية وإجتماعية.
من نافل القول أن جزءا مما يختبره البلد يعود الى حزب الله، كمكوّن لبناني مؤثر في اللعبة السياسية، وكمنصة إيرانية متقدمة في الكثير من الجهات الجغرافية الإقليمية، حيث لطهران نفوذ أو طموح أو مصلحة. والحزب، بسبب هذا الواقع المتشعّب والمعقّد والدور المتوسّع، يخوض ما يخوض من معارك وخصومات انسحبت بالتأكيد على حلفائه من جهة، وعلى البلد من جهة اخرى. فكان أن قررت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أن أفضل الطرق لتقويض نفوذ الحزب وتأثيراته ودوره اللبناني والإقليمي، يكمن في تحريض المكونات عليه. وليس أفضل لتحقيق هذا الهدف، من إقتباس خطة «عصر إيران» التي كان في أساسها السفير جون بولتون، بحيث يقوّض الإقتصاد اللبناني ويحاصَر، تحقيقا لتجريد الحزب مما تيسّر من حلفائه. فكان الحصار المالي، بدءا من مصرف جمال تراست، ومن ثم كان ما كان من تجفيف للدولار وتهريب ودائع وتحويلها، الى أن بلغ النظام المالي ما بلغه من نضوب.
لكن قول الحقيقة يفترض أيضا أن تأتي كاملة. فللمنظومة السياسية – المالية مآثر لا تعد ولا تحصى، وأي تجهيل لدورها الهدّام هو ارتكاب يساوي إرتكابتها. الحصار المالي على البلد عمره 3 أعوام، فيما فظائع منظومة الدولة العميقة تعود الى 30 عاما خلت، منذ أن قرر أمراء الحرب مجتمعين، متكافلين ومتضامنين، أن يجعلوا خزينة الدولة الوليدة آنذاك، مصدرا رئيسا لتمويل ميليشيات السلم الموهوم، تعويضا عن ملايين التمويل من دول قريبة وبعيدة، وضعتها في خدمة تقويض الدولة وترفيع شأن الميليشيات عبر تغذية شرارات الحرب الأهلية، ومن ثمّ إدامتها قدر الإمكان.
وقول الحقيقة يفترض أيضا أن يدرك اللبنانيون أن خطابات التأجيج والتهريج الحاصلة، عبر شعاريّ سلاح الحزب والإحتلال الإيراني، ستنخفض تدريجا بدءا من 16 أيار. سيعود ذوو السيادة الى خطاب الرشد، لإداركهم أن التسوية لا بد منها، وأن ليس في إمكانهم لا نزع السلاح بالقوة ولا حكم البلد من دون شراكة الخصوم، أي خصوم، فكيف إذا كان خصم هؤلاء الرئيس من طراز حزب الله. وكذلك الأمر ينسحب على موقف السياديين من إيران متى يوقّع اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة ويسلك تفاهمها مع المملكة العربية السعودية (هل تُسقَط عنها حينها صفة العداوة وفعل الكره؟).
كم أن قول الحقيقة يفترض أن يدرك اللبنانيون أن التحريض على التيار الوطني الحر سينكشف بعد 16 أيار على واقع مغاير. سيعود هؤلاء الى حقيقة أن تعثّر بناء الدولة وتحقيق ما طمح اليه ميشال عون سببه الرئيس النكد السياسي:
أ-فالتيار الكهربائي لا يعود إلى منازلهم من دون مال من الخزينة، ومن دون فيول، ومن دون بناء معامل، ومن دون زيادة التعرفة، ومن دون عدادات ذكية، ومن دون ترشيق شركة الكهرباء من مئات الحشو واللغو. بإختصار من دون تطبيق خطة الكهرباء المعطّلة منذ العام 2010.
ب-والإتصالات لا تستوي ما لم يتحقق تعديل تعرفة الخدمات بحيث يعود التوازن بين النفقات والواردات، وان هذا التوازن لن يعود حتما وفق حسابات الدكنجية القائم راهنا.
ج-ومياه الشفة لن تغذّي مساكنهم بلا استكمال خطة السدود، من بسري أولا.
د-ووحدانية السلاح لن تتحقق من دون الإتفاق على استراتيجية دفاعية متكاملة.
ه-والسيادة الناجزة لن تكون لهم ما لم تفك أحزابهم وعشائرهم وقبائلهم المدنية المستجدّة إرتباطاتها الخارجية، تمويلا وتحريضا وتبعية واستزلاما.
و-والواقعية تفرض على القوات اللبنانية أن تكون جنبا الى جنب مع حزب الله في الحكومة والمجلس النيابي، شريكين كما رغبت وسعَت القوات إليه قبلا، وستسعى بعد 16 أيار!