عندما توقّع بري ونصرالله ألاّ يُهضم «الإنجاز»
25 أيار 2015.. الانتصار «يقاوم»
عندما حقق مشروع المقاومة النصر التاريخي في 25 أيار 2000 مع اكتمال الانسحاب الاسرائيلي من معظم الجنوب والبقاع الغربي، تخوّف الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، يومها، من ألا يهضم البعض في لبنان والعالم العربي هذا النصر، وأبديا خشيتهما من ان يتم تدفيع صانعيه ثمن إنجازهم النوعي الذي قلب مقاييس الصراع العربي ـ الإسرائيلي وبدّل مفاهيمه.
بعد مرور 15 عاماً على إنجاز التحرير، يبدو أن ما توقّعه بري ونصرالله حصل الى حد كبير. منذ أيار 2000، والمقاومة تواجه الاختبار تلو الآخر، وتخوض المواجهة تلو الأخرى، بعدما فُرضت عليها معارك جانبية، تمتد من الداخل اللبناني الى المحيط الإقليمي، وكأن العدو الإسرائيلي يحاول أن يثأر لهزيمته بـ «الواسطة»، وهو الذي أخفق في المنازلة المباشرة، سواء خلال احتلاله للبنان او خلال حرب تموز 2006.
علينا ان نعترف بأن عيد المقاومة والتحرير سيمر هذا العام مرور الكرام، بل لعله لن يمر أصلاً، في العديد من المناطق اللبنانية والدول العربية التي اجتاحتها حمى المذهبية وأصابها مرض التفتيت، فشاحت بنظرها عن اسرائيل وعمن يقاومها وعمن ينتصر عليها.
وعلينا ان نقر بأن أقصى ما يراه البعض في هذا العيد، تحت وطأة الاصطفافات الحادة، هو أنه مناسبة للإجازة وأخذ قسط من الراحة، لا فرصة للمراجعة ونقد الذات وتصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح.
إن الانقسام الحاد لبنانياً وعربياً يكاد يجعل عيد التحرير أحد «المطلوبين» على حواجز الخطف على الهوية المذهبية، ويدفع العديد من خصوم «حزب الله» في السياسة الى عدم التمييز بين هذه الخصومة وبين إنجاز التحرير، فانعكس موقفهم السلبي من الحزب لامبالاة حيال ذكرى 25 أيار التي يُفترض أن تظل مساحة للجمع مهما بلغت القسمة في ساحات أخرى.
في أعقاب النصر المدوّي، جرى اجتياح العراق الذي قاد لاحقاً الى تفتيت كل المنطقة، وتم اغتيال الرئيس رفيق الحريري بكل ما أنتجته هذه الجريمة من تداعيات، وتفشى الوباء المذهبي في الجسم العربي، وبالتالي صار يُنظر الى المقاومة باعتبارها مجرد فصيل شيعي، حتى أصبح الانتماء إليها بمثابة جريمة في العديد من العواصم العربية.
بعد 15 عاماً على التحرير، أصبحت المقاومة هي المشكلة بالنسبة الى البعض وليست إسرائيل، وبات الآخر هو «العدو» وليس الاحتلال، وصارت الأنظار تتجه الى تدمر والرمادي والأنبار وجسر الشغور وإدلب، وليس الى مزارع شبعا المحتلة في لبنان او القدس في فلسطين المحتلة أو الجولان السوري المحتل.
لقد كان يمكن لحدث الانتصار في العام 2000 أن يكون حدثاً جامعاً باعتباره يخصّ كل من يعتبر نفسه معنياً بالصراع مع اسرائيل، حتى لو لم يكن شريكاً مباشراً في صناعته على الارض، وكان يمكن لهذا الحدث ان يجعل طائفة المعادين لإسرائيل تتسع لكل المذاهب.
لكن ما حدث، أن كثراً من اللبنانيين والعرب لم يلتقطوا فرصة الانتصار التي نجحت في إعادة ترميم الثقة بالنفس بعد انكسار طويل، واستنهاض الطاقات الكامنة، واسقاط الأوهام والاساطير التي كانت تجعل اسرائيل تربح حروبها قبل أن تبدأ، وإثبات حقيقة ان لدى اللبنانيين والعرب من الإرادة والقدرة ما يكفي لإلحاق الهزيمة بعدوّهم.
ولقد أكدت الاحداث اللاحقة ان انتصار 2000 لم يكن مصادفة او استثناء، بل إنه أتى تعبيراً عن ثقافة جديدة في مواجهة العدو الاسرائيلي، وهذا ما ثبت في حرب تموز ثم في الحربين اللتين شُنتا على قطاع غزة، حيث أظهرت المقاومة صموداً ارتقى الى مستوى الانتصار.
لم تُقبل الهدية المخضبة بالدم في 25 أيار، وليس هذا فحسب، بل إن المقاومة باتت مع مرور الوقت متّهمة بانتصارها ومضطرة في أحيان كثيرة إلى الدفاع عن نفسها وتبرير تمسكها بسلاحها ضد إسرائيل، حتى قبل اندلاع الأزمة السورية.
وإذا كان منتظراً من العدو أن يحاول الإيقاع بالمقاومة، واستدراجها الى صراعات تنهك قواها، فإن المقاومة معنية من جهتها بأن تراجع خطابها وتجربتها منذ التحرير، وأن تتفادى الأخطاء او الثغرات التي قد تتسبب بسوء فهم او تفاهم بينها وبين مكونات أخرى ـ في البيئتين اللبنانية والعربية ـ يمكن أن تشكل رافداً أساسياً لمشروع المواجهة ضد إسرائيل.