Site icon IMLebanon

6 أيار حريّة المختارة وقيود السراي

 

مفاعيل يوم 6 أيار الإنتخابية لن تنتهي بعد إعلان النتائج، برغم تصريحات المسؤولين ورؤساء التيارات والأحزاب التي تغنّت بالإنجاز الإنتخابي. الكلّ منتصر أمام جمهوره وفقاً للبيانات، هذا ما يفرضه هول الإنتصارات والإنكسارات التي لا يستطيع أي جمهور استيعابها بسلاسة أو تقبّل قساوة التغييرات التي ستترتب عليها مستقبلاً. إنّ استعراض الأحجام الرقميّة للكتل الفائزة لن تلبث أن تُسقِط خلال أيام قليلة كل أوهام تجاوز مفاعيل العملية الإنتخابية. إنّ المواكب السيّارة التي ترفع بيارق حزب الله وتجوب شوارع بيروت ومعالمها، لا سيما تلك التي التصق إسمها بالحريريّة السياسية ولها ما لها من الرمزيّة، تؤشّر الى استباحة بدأت بالجغرافيا لتستمر بالسياسة، فسقوط هيبة الجغرافيا يذهب بهيبة قاطنيها ورموزها ويؤسّس للكثير من الطامحين الراغبين في استعادتها.

لن يستطيع رئيس الحكومة التخفيف من وطأة الصدمة التي تعرّض لها وزنه السياسي. القول أنّ قانون الإنتخاب هو أحد أسباب الفشل وهو ما سمح بتسجيل كلّ هذه الاختراقات، يشكّل بحدّ ذاته إدانة لرئيس الحكومة ولصانعي قراره في بيت الوسط، لا سيما أولئك الذين زيّنوا له هذا القانون أو على الأقل الذين أوهموه أنّ مفاعيل القانون ستشمل الكتل السياسية كافة، فإذا بها لا تنال سوى منه ومن حجمه ومن انتشار تياره. كما أنّ وزنه السياسي الجديد لن يسمح له بالقول أنّ لا أحد يستطيع أن يضع عليه شروطاً، بدءاً من حلفائه قبل خصومه. لقد استهل حليفه الوزير جبران باسيل مؤتمره الصحفي بالقول أنّه بات بعد الإنتخابات على رأس أكبر كتلة برلمانيّة، كما أنّ معادلة الجيش والشعب والمقاومة تصدّرت خطاب الأمين العام لحزب الله بالتوازي مع ما أعلنه الرئيس نبيه بري أنّ وزارة المالية هي حق مكتسّب للطائفة الشيعية، بما يشكّل تقييداً لفرص تكليفه تشكيل الحكومة وبما يهدّد أركان الطائف بصورة جديّة.

أجل أصيب تيار المستقبل في الصميم، ليس بسبب تدّني حجمه في البرلمان بل بسبب ما افتقده من ميزات مدينية تفرّد بها منذ تأسيسه على يدّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حمته من آفات طائفية ومذهبية نقلتها ثقافة سياسية الى قلب العاصمة وسائر المدن اللبنانية. أجل أسقطت نتائج الإنتخابات في كلّ من بيروت وطرابلس وصيدا صورة تيار المستقبل من حيث كونه تياراً سياسياً مدينياً، ونقلته الى خانة التيارات السياسية التي وُلدت من رحم معاناة مناطقيّة أو مذهبيّة وعجزت عن التحوّل الى تيارات مدينية. إنّ نزع الصفة المدينية عن تيار المستقبل بدأت مع تقسيم العاصمة الى دائرتين إنتخابيتين وأخذه من رحاب المدينة، بوصفها حاضرة سياسية رحبة، الى زواريبها وأزقتها وكأنّه المعني بزواياها المذهبيّة ومنظومة حلالها وحرامها.

أصيب تيار المستقبل ومعه رئيس الحكومة في الصميم بعد أن تحوّل من صانع للصفقة الرئاسية إلى وقودٍ لها. فقدَ رئيس الحكومة، أو كاد، كلّ تحالفاته من الفريق السيادي، وما تبقّى منها هو موضع ريبة وشك ولا يوحي بالارتياح والاستمرار.

لقد عبّرت الكلمات القليلة لوليد جنبلاط، خلال المؤتمر الصحفي في بعقلين، عن أزمة حقيقية في قدرة الرئيس الحريري على نسج تحالفات سياسية خارج الفريق الرئاسي. اختصر وليد جنبلاط العناوين السياسية للمرحلة المقبلة مستنداً الى نتيجة الصناديق ومتجاوزاً لها في آن. لقد أعلن جنبلاط ثبات المصالحة وانتصارها على محاولات الوزير باسيل حليف الرئيس الحريري الإنقضاض عليها واغتيالها، بدءاً من زيارته لرشميا بكلّ ما حملته من جهل وتنكّر للتاريخ ونبش للقبور. الثابتة الثانية عبّر عنها وليد جنبلاط بالدعوة لإحتفالٍ بنتائج الإنتخابات في المختارة «سيُعلن عنه تيمور وسنضع جميعاً وردة حمراء على ضريح كمال جنبلاط».

وكأني بوليد جنبلاط يريد الإنعتاق من تراكمات سياسية ملتبسة والعودة الى الجذور ودعوة تيمور إلى إستلهام المستقبل من المعلم المؤسّس. يريد وليد جنبلاط الخروج من المشهد، وإحداث قطع مع مرحلة سبقت وواكبت وتلت الصفقة الرئاسيّة، وشابها الكثير من ضبابيّة الرؤية وانعدام الثقة إلى جانب التضحية بانجازات اضطلعت بها المختارة على رأس الحركة الوطنية. هذا ما رمى إليه وليد جنبلاط عندما تكلم بكلّ صراحة عن سلطة فعليّة وسلطة ملحقة، وعندما خاطب رئيس الحكومة بكلّ استهجان ومرارة متسائلاً عن هدف الإستمرار بتقويض صلاحيات رئيس الحكومة، مذكّراً بالمناضلين الذين دفعوا ثمن هذا الإنجاز والذي يُعتبر مركز الثقل في إتّفاق الطائف.

وفيما يحرّر وليد جنبلاط زعامة المختارة من شوائب مرحلة مضت وأحدثت ندوباً ليست ببسيطة طالت دورها المديني وشفافيتها، يمضي سعد الحريري مثقّلاً بأعباء تحالفٍ أحادي أقام حدّاً مع ماضٍ سيادي مشرق وأحدث شرخاً مع رفاق مسيرة الإستقلال الثاني.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات