IMLebanon

أحداث 7 أيار ألغت مراسيم لحكومة السنيورة ويهدّد بها إذا لم تصحَّح مراسيم لحكومة سلام

من سوء حظ لبنان أنه خضع لسياسة تعيين رؤسائه ومعظم وزرائه ونوابه زمن الوصاية السورية التي دامت 30 عاماً، وقد كافح اللبنانيّون طويلاً للتخلص من هذه الوصاية فكان لهم ما أرادوا عام 2005 على أمل أن يكونوا قد بلغوا سن الرشد وصار في إمكانهم أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم من دون وصاية أو تدخل أي خارج. لكن، ويا للأسف، ظهرت قوى سياسية وحزبية في لبنان قررت اعتماد سياسة التعطيل لأن نتائج الانتخابات النيابية عام 2005 وعام 2009 لم تعجبها كونها لم تأتِ لمصلحتها إنما لمصلحة مرشحي قوى 14 آذار. فبدأت هذه القوى بعد انتظامها في تكتل 8 آذار تمارس سياسة التعطيل عند تشكيل الحكومات، واستطاعت باسم احترام “الميثاق الوطني” و”الشركة الوطنية” تشكيلها من أكثرية 14 آذار ومن أقلية 8 آذار بحيث جمعت أضداداً في حكومة واحدة. وما زاد تعطيل عمل الحكومات وقلة انتاجها هو شرط أن تكون الأقليّة ممثّلة في كل حكومة بالثلث الذي يحقّق في نظرها “الشركة الصحيحة” في اتخاذ القرارات المهمّة ويحول دون استئثار الأكثرية بها. وقد أثبت هذا الثلث فعله عند قيام المحكمة الخاصة بلبنان كي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم مماثلة ارتكبت في لبنان، فقرر وزراء 8 آذار الاعتكاف والتغيّب عن جلسات مجلس الوزراء للحؤول دون إقرار النظام الأساسي للمحكمة. وعندما عجزوا عن ذلك اعتبروا أن كل مرسوم يصدر عن حكومة باتت في نظرهم غير ميثاقية، غير شرعي. وعندما استمرت الحكومة في عملها ولم تأبه لتغيّب وزراء عن جلسات مجلس الوزراء، قررت أحزاب وقوى سياسيّة في 8 آذار الاعتصام في ساحة رياض الصلح والاستمرار حتى تستقيل الحكومة. وعندما فشلت هذه القوى في إسقاط الحكومة بالاعتصام، عمدت إلى إسقاطها بقوة السلاح فكانت أحداث 7 أيار التي أرغمت الحكومة على إلغاء قرارات كانت سببها، وفرض الخروج منها عقد مؤتمر في الدوحة انتهى بفرض تشكيل حكومة “وحدة وطنية” تمثلت فيها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد، وفرضت انتخاب رئيس توافقي للجمهورية هو العماد ميشال سليمان وإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدلاً تعديلاً طفيفاً.

ويبدو أن القوى السياسية والحزبية التي تمارس سياسة التعطيل لم تغير عادتها حتى الآن، فعطلت انتخاب رئيس للجمهورية، ورفضت انتخاب مرشح قوى 14 آذار الدكتور سمير جعجع من دون ان تقدم مرشحاً منافساً له لأن المطلوب إبقاء سدة الرئاسة شاغرة إلى أن تفرض إيران رئيساً من خطها السياسي أو مقبولاً منها، واضعة قوى 14 آذار بين خيارين: إما استمرار الشغور الرئاسي توصلاً إلى الفراغ الشامل، وإما انتخاب هذا الرئيس…

ولم تكتفِ القوى ذاتها بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية بل عمدت إلى تعطيل انتخاب مجلس نواب جديد بافتعال خلاف على قانون جديد للانتخاب فكان التمديد للمجلس كحل لا مفر منه، ما جعل هذه القوى تعتبر أن هذا المجلس لم يعد شرعياً ولا يحق له انتخاب رئيس للجمهورية… وهددت بعدم الاعتراف بشرعيته إذا انتخبته، داعية إلى إجراء انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي جديد شرعي لانتخاب رئيس للجمهورية مقدمة إجراءها على انتخاب الرئيس، الأمر الذي أثار خلافاً مع القوى الأخرى ليستمر الوضع الشاذ على ما هو وذلك بجعل البلاد تعيش في ظل هذا الوضع إلى أجل غير معروف، إلى أن كان الحلّ بمسعى خارجي أدى إلى تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، فعادت القوى ذاتها إلى تعطيل عمل الحكومة باعتبار كل وزير فيها هو رئيس جمهورية له حق “الفيتو” على كل مشروع لا يعجبه وحق عدم التوقيع على أي مرسوم يتم إقراره بالأكثرية التي نص عليها الدستور. وعندما لم يؤدِ هذا الموقف إلى إحراج سلام لإخراجه ليكون هو سبب إحداث فراغ حكومي بعد الشغور الرئاسي، استغلت هذه القوى المدمنة على التعطيل تحرك الناس المسالمين في الشارع احتجاجاً على أزمة النفايات، فكثر مستغلو هذه الأزمة وركبو موجتها لتحقيق أهداف أخرى ظهرت في اختلاط الشعارات والهتافات وتحول ساحة رياض الصلح سوق عكاظ وبرج بابل لكثرة محبي الظهور على شاشات التلفزيون ممن هب ودب ومن دون تمييز بين متكلم عاقل ومتكلم متهور.

إن المشهد في ساحة رياض الصلح يذكّر بالمشهد الذي جعل أحزاباً وقوى في 8 آذار تعتصم لتسقط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وعندما عجزت عن ذلك افتعلت أحداث 7 أيار لترغمها على التراجع عن مراسيم صدرت عنها تعني “حزب الله”، وها ان هذه الاحزاب نفسها تعود الى الساحة نفسها مهددة بافتعال 7 أيار جديد إذا لم تصحح مراسيم صدرت عن حكومة الرئيس سلام إرضاء لـ”الشركة الوطنية” واحتراماً لـ”الميثاق الوطني” بعد الاختلاف على تفسير مواد في الدستور وابتداع الاجتهادات، فإذا كانت أحداث 7 أيار ذهبت بلبنان في الماضي إلى الدوحة، فإلى أين تذهب به إذا تجدّدت؟