IMLebanon

احداث 7 أيار لن تتكرر

لا يبدو أنّه أمام الدول العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية، سوى التهدئة تجاه لبنان، لا سيما أنّ التصعيد الأخير من قبلها لم يكن مبرّراً، حتى أنّ موقفه في المؤتمرات العربية لم يكن يستأهل كلّ هذا الغضب والاستنفار من قبلها. وما حصل يوم الأحد المنصرم، كان عيّنة ممّا حذّرت أوساط ديبلوماسية عليمة من الوقوع به وما أسمته «حروب داخلية»، لأنّ أحداث 7 أيار 2008، والتي مهّد لها تاريخ 5 أيّار لا تزال محفورة في أذهان اللبنانيين ولا يريدون الانزلاق اليها مرّة جديدة.

ولهذا فإنّ إقحام لبنان في الصراع الشيعي- السنّي القائم بين إيران والسعودية والذي جرت تجربته في فترة ماضية في طرابلس، فحصلت اشتباكات عدّة وعلى مراحل بين جبل محسن وباب التبّانة، على أساس طائفي، لا مجال للعودة اليه اليوم تؤكد الاوساط، في ظلّ التهديدات التي يتعرّض لها من قبل التنظيمات الإرهابية عند الحدود السورية- اللبنانية، كما من إسرائيل من بوّابة الجنوب. ومن هنا يجب احترام موقفه من «النأي بالنفس» عن كلّ الصراعات في المنطقة.

وقالت الاوساط أنّ «حزب الله» الذي جرّب سلاحه في الداخل في العام 2008، وأخذ البعض عليه هذا المأخذ بأنّه لم يعد «مقاومة» ضدّ أعداء الخارج، بل أصبح يُهدّد به شركاءه في الوطن ليُثبت لهم قوّته العسكرية، أكّد مراراً وتكراراً أنّه لن يُعيد هذه الأحداث مهما حصل، وأنّه دُفع اليها دفعاً في محاولة للقضاء عليه من الداخل، ولهذا اضطر للدفاع عن نفسه، وعن سلاحه ووجوده. وانطلاقاً من هذا الأمر، بات الجميع يعرف مدى قدراته، ما يجعله لا يجرّبه مرة ثانية. كما أنّ المقاومة اليوم ليست في وارد الإنجرار الى أي فخّ من شأنه زعزعة استقرار وأمن البلاد.

ونكون هكذا اتفقنا، على ما شدّدت الأوساط نفسها، بأنّ أيا من الأطراف اللبنانية لا يريد العودة الى أحداث مماثلة لتلك التي وقعت في 7 أيار، وتعتبر بأنّه كان يوماً مشؤوماً من تاريخ لبنان، ولهذا فلن تجعل أي صراعات على أرضه تجرّه الى مثيلتها. فالوحدة الوطنية هي أكثر ما يجب الحفاظ عليه اليوم في ظلّ كلّ ما تشهده المنطقة من أحداث، ولا سيما مع اتخاذ مجلس الأمن قرار وقف الأعمال العدائية في سوريا، وما قد ينتج عن ذلك من تداعيات على لبنان.

ولعلّ أكثر ما تخشاه الاوساط، عدا عن محاولة زعزعة الأمن في الداخل، هو انتهاز الإرهابيين لفرصة عدم التوافق، والقيام بأعمال تفجيرية من شأنها إعادة لبنان الى خريطة التوتّر في المنطقة رغم تشديد حكومته الحالية على سياستها بتحييده عن كلّ ما يجري فيها. غير أنّ الجيش، الذي ورغم عدم وصول الهبتين السعوديتين العسكريتين اليه، يعي تماماً خطورة الوضع، وما يُمكن أن يُخطّط له هؤلاء الرابضون في جرود عرسال والجوار من محاولات التسلّل الى الداخل اللبناني، إن من البقاع أو من الجنوب، وهو جاهز لردّ أي اعتداءات من قبلهم.

وحذّرت الاوساط مجدّداً بعض المتهوّرين من محاولة إيقاع لبنان في الفخّ السعودي الذي يهدف الى توتير علاقة السنّة بشكل عام، مع الشيعة وتحديداً مع «حزب الله»، رغم الحوار القائم بينهما بهدف التوصّل الى قواسم مشتركة على أمور عدّة، من موضوع الوحدة الداخلية المتمثّلة بحكومة المصلحة الوطنية، مروراً بأزمات المنطقة، ووصولاً الى ملف الانتخاب الرئاسي. فالتوافق الشيعي- السنّي إذا ما استُكمل داخلياً، فإنّ انتخاب الرئيس يُمكن أن يوضع عندها على نار حامية، شرط عدم تدخّل الدول العربية والغربية ووضع بعض الشروط.

وفي رأي الاوساط، فإنّ مرشّح الـ «لا غالب ولا مغلوب» والذي تعمل الدول العربية، ولا سيما السعودية على إيجاده في لبنان، لكي يجري انتخابه رئيسا، انطلاقاً من أنّ هذا ما يحفظ الأمن والاستقرار فيه ولا شيء غير ذلك، والذي لم تجده بعد منذ نحو سنتين، لا بدّ أن تتخلّى عنه لكي يتمكّن النوّاب من انتخاب المرشّح الذي يجدون أنّه الأقوى والأجدى مسيحياً. في الوقت نفسه، على السعودية أن تحترم تطبيق لبنان لهذا المبدأ في السياسة الداخلية، انطلاقاً من أنّ لكلّ مكوّن في هذا البلد دوره السياسي داخل الحكومة، كما في المجلس النيابي، ولا يمكن إلغاء دور أي من هذه المكوّنات على حساب أي طرف آخر.

ففي لبنان، لا يُمكن لأي طرف أن يتغلّب على الآخر، لا سياسياً ولا عسكرياً على ما اكدته الاوساط، حتى وإن كان هناك من هو أقوى سياسياً، ومن هو أقوى عسكرياً، لا سيما أنّ التجارب الماضية، من حروب واشتباكات قد أثبتت هذا الأمر، وخرج منها الجميع خاسراً في نهاية الأمر. وفي ما يتعلّق بانتخاب الرئيس المسيحي، فلا بدّ للمسيحيين من الاتفاق عليه قبل المكوّنات الأخرى، على ما يجري عادة مع السنّة بالنسبة لرئاسة مجلس الوزراء، ومع الشيعة بالنسبة لمجلس النوّاب.

وبناء عليه، تنصح الأوساط نفسها كلّ المصطادين في الماء العكر أن يكفّوا عن متابعة محاولات تعكير صفو الأمن الداخلي في لبنان، وينشغلوا بحلّ مشاكلهم الداخلية التي قد تطفو فجأة على السطح ويعلم بها القاصي والداني، ولا يعود بمقدورهم لملمة شظاياها وتداعياتها عليهم، كما على الدول المحيطة بها.