توقَّفَت مراجع ديبلوماسية غربية وعربية أمام أحداث اليمن الخاطفة التي نفَّذها «أنصار الله» من الحوثيّين وحلفائهم الجُدد في مواجهة الحكومة، فاستذكرت سيناريو أحداث 7 أيار اللبنانية بكامل وقائعها، بما فيها لائحة المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي رفعوها، وصولاً إلى «التعفّف» عن السلطة، واستبدالها بتركيبة جديدة يُحضَّر لها برعاية أمميّة تسهّل تحَكّمَهم لاحقاً. فما هي أوجه الشبَه؟
أمسَك أحد الديبلوماسيين الأمميّين قبل أيّام أوراقه وتقاريره القديمة وراح يستعرضها أمام عدد من أصدقائه الديبلوماسيين الأوروبّيين واللبنانيّين، ليُذكّرهم بأنّه قرأ نتائج التطورات التي شهدها اليمن منذ أسابيع عدّة وبدعوته التي لم يشاركه فيها أحد إلى ترتيب القضايا الاقتصادية وإعادة النظر في أسعار المحروقات قبل فلتان الشارع وتوحيد القوى المتضرّرة من هذه القرارات، وخصوصاً عند ظهور بوادر التفاهم بين الحوثيّين الشيعة وقادة الحراك الشعبي.
يعترف الديبلوماسي الأممي المحنّك بأنّه التقى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره الخاص لليمن جمال بن عمر أكثر من خمس مرّات في الأشهر القليلة الماضية، وهو كان يقصده للوقوف على تجربته في لبنان التي عاشَها ورفاقاً له مع «حزب الله» وحلفائه.
ولذلك فهو مَن تولّى تأمين الاتّصالات مع ديبلوماسيين ومسؤولين لبنانيين شرحوا لـِ بن عمر التجربة اللبنانية السابقة التي قادها «حزب الله» وحلفاؤه الجُدد منذ 11/11/2007 تاريخ استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وإقدامهم وحلفاءَهم من «التيار الوطني الحر» و«المرَدة» و»الطاشناق» على الاعتصام وسط بيروت، وما رافقَ ذلك من طوق شدَّد الخناق على السراي الحكومي، وصولاً إلى لائحة المطالب التي توسَّلت الشؤون الاقتصادية والاجتماعية طريقاً إلى التحرّك، حتّى وصل الأمر بهم إلى الأوّل من أيّار 2008، فنزلوا إلى الشوارع تحت راية الاتّحاد العمّالي العام في ذلك اليوم ولم يخرجوا منه بفعل قرار وقف العمل بشبكة اتّصالات «حزب الله» ليل 4 – 5 أيار التي فجّرت البلد في 7 أيار، ومنه حتى 22 منه تزامُناً مع انعقاد لقاء الدوحة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 25 منه.
إستذكرَ الديبلوماسي الأممي كلّ هذه الوقائع وصولاً إلى ما سُمّي «التعفّف عن السلطة» الذي عبَّر عنه قادة الحراك و»أنصار الله» في صنعاء بعدما وضعوا اليد على مختلف مفاصل الدولة اليمنية ومواقعها الرسمية والإعلامية والقيادية والعسكرية، وصولاً إلى مطار العاصمة ورئاسة الحكومة ووزارة الدفاع ومحاصرة رئيس الجمهورية، فـ«انحرفوا» فجأةً إلى الحلّ السلمي تأسيساً على «اتّفاق التسوية والشراكة الوطنية»، الذي أبرِم برعاية المبعوث الأممي جمال بن عمر عقب مبادرات الدوحة والرياض وغيرها من المحطات الحوارية الفاشلة.
فبدّدوا بذلك اتّهامات كثيرة سِيقت ضدّهم بأنّهم ينوون وضع اليد على السلطة والإمساكَ بها بقوّة السلاح، عدا عن الإتهامات المذهبية التي قادت تحرّكهم، واتّهام إيران و»حزب الله» بقيادة المعركة ديبلوماسياً وسياسياً وإعلاميّاً وشعبياً، تشبُّهاً بإدارة الحزب لـ«7 أيار».
ولذلك يقول الديبلوماسي: كما في لبنان كذلك في اليمن، فللقيادة اليمنيّة التي أدارت الحراك ضد الحكومة قيادة مشتركة شكليّة يقودها فعليّاً «أنصار الله»، وهم على ما يبدو يحترمون شكلاً وعلناً الخصوصيات القبلية اليمنية وتوزيعَ القوى والعشائر في البلاد، ولن يكون لهم مطمع بسلطة مباشرة أو بوضع اليد على المؤسسات التي بدأت عملية تسليمها إلى الشرطة العسكرية، بعدما وقّعوا إلى جانب الحزب الحاكم حزب التجمّع اليمني للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام والحراك الجنوبي، وغيرها من مكوّنات اليمن، «اتّفاقَ السلم والشراكة الوطنية» الذي ينصّ على تأليف حكومة جديدة، ووقف إطلاق النار، ورفع مخيّمات الاعتصام من صنعاء ومحيطها.
على كلّ حال، يختم الديبلوماسي الأممي أنّ التجربة اللبنانية استنسخت بنجاح إلى اليوم وبقيَ الحديث عن المرحلة المقبلة رهن ما ستؤول إليه آلية ترجمة التفاهمات، وسيكون للرئيس عبد ربّه منصور مستشارون فاعلون من «أنصار الله» والحراك الجنوبي، وسيبدأ السعي إلى حكومة وحدة وطنية.
فاليد ما زالت على الزناد و«أنصار الله» لم ولن يوقّعوا اليوم أيّ اتّفاق أمني قبل تركيب السلطة الجديدة، وعندها ستظهر خبرات اليمنيّين باقتباس التجربة اللبنانية. فهل سيحكمون من دون أن يكونوا في مواقع السلطة مباشرة، ويكتفون مرحلياً بـ«الثلث المعطل» والحقائب السيادية في حكومة يقال إنّ رئيسها سيكون «شخصية محايدة لا حزبية». فلننتظر؟