Site icon IMLebanon

7 أيار ولعنة التسوية السياسية

 

لا يستطيع أحد التنصّل من مسؤولية ما جرى ليل الأحد/الإثنين الماضي، وكل عبارات الإستنكار والإستغراب لا تكفي لتبرير الهجمة البربرية التي تعرّض لها المتظاهرون السلميون في منطقة الرينغ أو عمليات التدمير والسلب للممتلكات في الأحياء المحيطة بها. وإذا كان كارثياً تصديق أنّ ما جرى من تحضيرات واستنفارات لغزوة الدراجات، رصدها مواطنون في أكثر من منطقة، كان يتمّ بعيداً عن عيون المسؤولين في حركة أمل وحزب الله، فالأكثر كارثيّة هو أن يكون اتّخاذ قرار العبث بالأمن والإستقرار فعلاً قد أصبح على عاتق قيادات نمت وأضحى لها مواردها وسيطرتها وميليشياتها فكرسّت لامركزية أضحت خطراً على بيئتها قبل أن تهدّد خصومها.

 

حجم الدمار الذي أحدثته الغرائز والأيادي العابثة عند حدود منطقة التماس الوحيدة المتاحة لم يقتصر على ساحات وشوارع الإعتراض السلمي، بل تجاوزها الى أحياء مسالمة ليقض مضجع ساكنيها ويذكرها بأنّ الآخر المختلف قادر على تغيير دورة الحياة ساعة يشاء. ما جرى أول من أمس ليس انعكاساً لأزمة حكم بين فريقين سياسيين بل يدلّل الى مؤشرات الكراهية والعنف الكامنين اللذين أذكتهما أيديولوجية منغلقة اعتمدت تجاوز القانون وتوفير المال وإطلاق الغرائز سُبلاً لتسويق ذاتها. إنّ ارتفاع منسوب القلق لم يعد مردّه فقط الى البحث عن حلّ للمشكلة السياسية، بل الى إمكانية البحث عن التئام الشرخ المجتمعي الذي عبّر عن نفسه بالأمس في الشوارع الآمنة ، مما يعني أنّ العيش الآمن أضحى مشروطاً ولم يعد متاحاً للجميع.

 

ما حصل أول من أمس تكرّر ليل أمس وإن بصورة أقل عدائية في عدد كبير من الأحياء البيروتية وبعض الأحياء المسيحية في عين الرمانة، وهذا مشهد مرشّح ليصبح جزءاً من يوميات الثورة في لبنان. الدعوة بالأمس إلى 7 أيار جديدة لن يكون له نفس وقع سابقتها في نفوس اللبنانيين، فساحات لبنان التي اعتقد اللبنانيون الإستقلاليون حينها أنّ التنازلات السياسية قد تحميها، كانت بالنسبة لهم ساحات واعدة على المستوى الإقتصادي وكانت جزءاً من أمنهم الإجتماعي. تنازلوا حين كان وعيهم السياسي المحدود بل سذاجتهم السياسية لا تربط بين الإقتصاد والحرية. هذه الساحات اليوم هي منصّات للتعبير ليس أكثر وهي فقدت قيمتها الإقتصادية وتحاول اكتساب عراقتها الوطنية كساحات للحرية، وحمايتها لا تعني الحؤول دون عدم تحوّلها الى ساحة صاخبة بل تعني عدم إخضاع شاغليها لتسوية سياسية مهينة. في النسخة الأولى من 7 أيار إنكفأ جمهور ساحة الشهداء عندما رضخت السلطة التي كان يراهن عليها، أما اليوم فهذا الجمهور منفصل عن السلطة وغير طامح للمشاركة بها وهو غير ملزم بالقبول بتسوياتها. 7 أيار بنسخته الأولى كان نموذجاً لميزان قوى مسلّح فُرض على الدولة فآثرت الرضوخ وعدم المواجهة والسير بتسوية أنتجها وسوقّها توازن قوى إقليمي ودولي فاستبدل الساحة المستباحة بتسوية حكم خارجة عن الدستور. الذهاب الى  7 أيار جديد لن يؤدّي الغرض المطلوب فجمهور الساحات لا يعتمد التوازن المسلّح وهو يعتمد في ساحات كثيرة عصيّة على الإحتلال المؤقت مناورة المواجهة السلميّة التي لا يتقنها المسلحون، والأهم من كل ذلك أنّه ليس هناك من فريق إقليمي أو دولي راغب في تحويل الغلبة الأمنية الى مكاسب سياسية.

 

تبدو الأزمة اللبنانية ولأجل غير مسمّى خارج أي مسار للتسوية، والمحاولات الدولية الأميركية والبريطانية والفرنسية لا تبدو متجهة لوضعها في قائمة الأولويات، بل أنّ الجهد الدولي يتركّز على التحذير بأن المجتمع الدولي يراقب ما يجري وأنّ التسوية لن تكون سوى جزء من المشهد الإقليمي العام لتوزيع النفوذ. المشهد اللبناني الحالي لا يعدو كونه فشلاً إضافياً يضاف الى كل إخفاقات السلطة التي بدأت بقانون الإنتخابات وتشكيل السلطة ولم تنته عند التعيينات. لعنة التسوية السياسية تلاحق كل إجراءات السلطة في لبنان وتكرار تجربة 7 أيار لن تكون بمنأى عن هذه اللعنة.