يعرف السادة النواب أن عملية التمديد للمجلس النيابي لم تأتِ نتيجة توافق مصلحي، بل كانت نتيجة قرار ورغبة مجتمعية شبه شاملة وعاقلة من اجل حماية التماسك الوطني، تداركاً لأخطار التفكك والضياع التي تحيط بِنَا. وقد يكون التمديد للمجلس النيابي هو القرار الوحيد الذي حظي بشبه اجماع لبناني، لأنّ الاستقرار العام هو أهم من مواعيد الإستحقاقات ولهذه الأسباب صبرنا على الشغور الرئاسي عامين حتى الآن.
أثبت المجتمع اللبناني أنّه أكثر مسؤولية وأعقل من السادة النواب ورؤساء كتلهم، الذين يعرفون ما هي الآثار المدمّرة للانتخابات البلدية في هذه الظروف بالذات، وكان أولى بهم أن يمددوا للمجالس البلدية في نفس القانون الذي مدّد لمجلس النواب أربع سنوات وبنفس الأسباب والموجبات، لكي يحافظوا على وحدة المجتمع الوطني كما حافظ المجتمع على وحدة النظام بالتمديد للسادة النواب.
لا أستطيع التعامل مع الإنتخابات البلدية بما هي إستحقاق سياسي أو إستحقاق إنمائي كما تحبّ قبائل المنظمات الدولية وأفخاذها المحلية أن تسميه، لأنّ للسياسة قواعدها وأسبابها وأدواتها، وفي مقدّمتها إنتظام المؤسسات العامة من رئاسة الجمهورية الى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطات الأمنية، وهي ألف باء كلّ الدول من الرخوة إلى الفاشلة إلى القوية، وهذه السلطات بمجملها في لبنان إمَا شاغرة أو مشلولة أو معطلة أو منهارة أو مربكة، مما يعني عدم وجود انتظام للحياة السياسية الوطنية حتى نكلّلها بالإنتخابات البلدية.
أما على المستوى الإنمائي فإنّ ألف باء التنمية هو الإستقرار، لأنّه علامة على توقف الانهيار مما يساعد على تراكم الإنجازات من الممكن الى الضروري الى الأفضل، وتلك هي قواعد التنمية ومراحلها وأهدافها، مما يعني أيضاً أنّ التنمية مستحيلة في زمن الإنهيارات، لأنّ الأولويات تكون للحدّ من التّداعيات الإقتصادية والأمنية والإجتماعية والحدودية والنقدية والتشريعية والإدارية.
إنّ قمة عجز هذه الطبقة السياسية تتمثل في إجراء الإنتخابات البلدية، لأنّ ما سينتج عنها من تفكك إجتماعي وسياسي هو أكبر مما يعتقد الكثيرون، لأنّ السقوط المجتمعي الطوعي هو أخطر من السقوط القصري كما في حالات الحروب والزلازل وغيرها، لأنّ السقوط الطوعي يكون أخلاقياً أي سقوط منظومة القيم الموحدة أو الجامعة أو الضامنة للوحدة المجتمعية الوطنية.
عندما يتأقلم المجتمع مع فشله وانهياره وشغوره وعطالته، يكون ذلك المجتمع أشبه بالجسد الذي فقد مناعته ودخل في مراحل موت الأعضاء التدريجي، وهذا ما يحصل الآن بعد موت الرئاسة والحكومة والبرلمان والمؤسسات. وسيبدأ مع الانتخابات البلدية موت المجتمعات القروية والبلدية والمدينية والأخلاقية .
يوم الثامن من أيار ٢٠١٦ سيشهد لبنان عاصفة من الغباء والإدّعاء والحقد والإنفعال والكراهية والعداء، وستتقطع الأوصال بين الأخ وأخاه، والجار وجاره، وداخل العائلات، والأحزاب، والتجمعات، والعشائر القديمة والحديثة، يوم الثامن من أيار سيكون الجميع ضحايا والجميع جناة، لأنّه يوم لن يُعرف فيه من الضحية ومن الجلاد.
المأساة ليست في حماقة اندفاع الكبار والصغار كالفراشات نحو محرقة البلديات، إنما المأساة هي في عدم وجود نخبة تحاول منع وقوع هذه المهزلة المأساة المتمثلة في معارك البلديات الوهمية، حيث يحمل كلّ اللبنانيين رماحهم ودروعهم ويركبون حميرهم ليحاربوا طواحين الهواء الكبيرة والصغيرة على حد سواء، لأن محاربة الفساد لا تكون بالانتحار أو الضياع..