IMLebanon

حمى الله لبنان والعهد من هؤلاء…

بالأمس القريب التقيتُ مع مجموعة من الأصدقاء، برَجل أعمال معجَب لا بل مفتون بتجارب الحكم في الغرب، وبطريقة تبادلِ السلطة والعلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم في دوله. وبسبب ميوله السياسية كوَّن صداقات مع سفراء وموظفين دوليين، وهو غالباً ما يتبادل معهم الأفكار والآراء حول لبنان والمنطقة…

قال فور جلوسه إنّ مراقباً من هؤلاء يعيش في لبنان منذ زمن بسبب عمله، ورافقَ أكثر من عهد، طرَح عليه سؤالاً، يتلخّص بانتعاش مظاهر الأفراح والآمال التي يعبّر بواسطتها الشعب اللبناني بمختلف فئاته عن تأييده لكلّ عهد جديد والاحتفالات واللافتات التي تقام في المناطق، وتنسحب هذه الاحتفالية ولو بشكل أقلّ عند تسمية رئيس جديد للحكومة، أو حتى عند انتخاب رئيس مجلس النواب، أو تعيين مسؤول في المراكز الأمنية الحسّاسة… وكيف أنّ لافتات التأييد تتشابه بالمفردات والتعابير ولا تختلف إلّا باسمِ المحتفى به.

وسألَ رَجل الأعمال آرأء الحاضرين في هذا الموضوع الشائك… فأجابه أحد الجالسين أنّ الأمر لا يفترض مقاربته بهذه الطريقة، إذ إنّ التحليل المقدّم من صديقه الأجنبي يحمل بعضاً من الحقيقة، ولكنّه سطحيّ ولا يظهر فيه إلّا القشور، ولكي يستقيم يقتضي تقسيم المحتفلين إلى أقسام وفئات وعدم وضعِهم في سلّة واحدة.

– فمِن حقّ المحازبين والمؤيّدين بل من واجبهم أن يفرحوا وأن يَحتفلوا، كون جزءٍ من حلمِهم قد تحقّق بوصول رئيسهم إلى سدّة المسؤولية، وبالتالي بالنسبة إليهم فإنّ مشروعهم السياسي والوطني بات تنفيذه في متناول اليد…

– وليس غريباً أن تنتشر لافتات الترحيب والتأييد بالقادم الجديد من غير المناصرين، فاللبناني يؤمن بالدولة، وما زال يشعر بأنّ الرئيس هو المنقِذ والحامي، فنحن شعب لم نتعوّد لتاريخِه على نظام ما بعد «الطائف»، خصوصاً أنّ الكثير من آليّاته لم تتحقّق لأسباب عدة ومعقّدة لا مجال لذكرها… مِن هنا فإنه ليس مستغرَباً أن نرى لافتة ترحيب من شخص أو فرد أو عائلة أو جماعة أو جمعية سبقَ لها أن رفعَت لافتات وإعلانات تمدح فيها رئيساً سابقاً، أو عهداً جاء هذا العهدُ لكي يطويَه، وهو يختلف عنه في السياسة والأفكار والطروحات وربّما في الأداء والظرف اختلافاً كبيراً لا بل جذرياً، فمَن يرفع لافتة التهليل إنّما يرفعها كونه يؤمِن بالمؤسسات التي تتجسّد في شخص القائد الرئيس…

– وبالطبع هنالك أصحاب المصالح الخاصة، كالمؤسسات والشركات الكبيرة، الذين يرغبون في إقامة أفضل العلاقات مع كلّ عهدٍ يَقبض على السلطة، فهؤلاء وبفضل طبيعة عملِهم ومصالحهم يؤمنون أنّ التأييد العلني يؤمّن لهم جزءاً كبيراً من مصالحهم…

وأردفَ المتحدث قائلاً: في بلد مِثل لبنان حيث ما زالت العلاقة الشخصية تتغلّب على ما سواها من علاقات، تبقى طبيعيةً هذه المظاهر الاحتفالية وبل مطلوبة، إذ إنّها تحافظ على جزء من العلاقة الشخصية بين الحاكم والمحكوم، وعلى حيوية مطلوبة. ولو أنّها تُخالف قولَ جبران خليل جبران الشهير «ويلٌ لأمّة تستقبل حاكمها بالتطبيل وتودّعه بالصَّفير، لتستقبلَ آخر بالتطبيل والتزمير».

ولكنّ الأخطر من كلّ هذه المظاهر هم أولئك الأشخاص والسياسيّون الذين نسمّيهم «أزلام» كلّ العهود، والذين يبدّلون انتماءَهم وأفكارَهم ومعتقداتهم وفقاً لمصالح العهد الجديد. أولئك الذين يَشربون من مياه العهد ويتغذّون من اندفاعته وشعبيته… وهذا النوع من الأشخاص يضمّ إعلاميين وحقوقيين واقتصاديين وسياسيين، فهم خليط غريب عجيب من المنتفعين والانتهازيين لا همَّ لهم إلّا الوصول والبقاء في السلطة…

وختمَ موجّهاً كلامه للسائل، الخطر لا يكون من المظاهر الاحتفالية واللافتات، وإنّما من هذه الطبقة التي عملت لدى أصدقائك، وكبرَت في أحضانهم، وتعلّمت أساليبَهم في التمسكنِ لكي تتمكّن، ولها في كلّ عهد قرصٌ مِن فشَله… هذه الطبقة تقضي على إمكانية أيّ تجديد أو تحديث في الحياة السياسية ولو تبدّلت العهود، وأعتقد أنّ أصدقاءَك يرتاحون إليها لا بل يتّكلون عليها للقبض على النظام اللبناني…

عند هذا الحد سكتَ المتكلم عن الكلام، وهمَّ السائل بالقيام، فإذا بكلمات تخرج منّي تلقائياً: حمى الله لبنان والعهد من هؤلاء…