Site icon IMLebanon

زوبعة غلاف

 

“من نكد الدهر”، عبارة عادت الى الرواج منذ اضطر الأمين العام لـ”حزب الله” للدفاع عن المقاومة في قضية إطلاق المحكمة العسكرية العميل عامر فاخوري.

 

و”من نكد الدهر” أن نضطر الى التأكيد على حرية النشر والقول في معرض دعوة نائبة رئيس التيار البرتقالي الى قراءة “أيام محمد الأخيرة” للكاتبة التونسية هالة الوردي.

 

أطرف ما في دعوة المحامية العدوانية المفوَّهة الى قراءة الكتاب انها لم تقرأه حتماً، وان معظم الردود التي تصدَّت لها أتت بالتأكيد ممن لم يسمعوا أصلاً بالكتاب أو ممن قرأوا عنه عبر رافضي الرأي الآخر، والذين يعتقدون ان الحق بجانبهم وعدا ذلك كفر وكذب وضلال.

 

بالطبع ليست نائبة رئيس التيار مرجعاً في القراءة والفهم وتقييم الأبحاث. فما يظهر من مداخلاتها عبر الإعلام يبرهن عن شوفينية مقيتة وتسطيح في المقاربات ومحاولات استفزاز الخصوم السياسيين واللعب على وتر النعرات. غير ان حقها في التعبير عن رأيها يجب ان يبقى مصاناً بالقانون وإلا لخاض الجميع ضدّ الجميع “حرب إلغاء”.

 

ليست المرة الأولى، لا في تاريخ العرب والمسلمين ولا في تاريخ سائر الأديان، التي تطرح فيها حدود الحريات انطلاقاً من التحليل والتحريم وخشية المسّ بالمقدسات. وكيف ننسى متشددين مسيحيين منعوا قبل أشهر حفلات مشروع ليلى في جبيل زعماً انها ترويج للشيطان؟! ولعلّ رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” (1988) من أبرز الأمثلة التي جعلت روائياً بريطانياً هندي الأصل موضع فتوى قتل من الخميني بسبب كتاب. ناهيك عن تكفير نصر حامد ابو زيد ومفكرين كثيرين مسيحيين ومسلمين على امتداد تاريخ الأديان.

 

لا يجوز التذرع بالحريات لممارسة الاستفزاز. هذا بديهي. لكن، بديهي أيضاً ان يكون لكل مقام مقال.

 

عرض السيدة نائبة رئيس التيار غلاف الكتاب لمتابعيها في “تويتر” يمكن ان يلاقي الرفض والاستنكار، لكن ان يصل الأمر بدار الفتوى الى طلب اعتذار والتحذير من فتنة، فذلك مبالغة شديدة سيما وأن الكتاب “بحث جدي”، حسب الدكتورة المحترمة منى فياض، وتعرَّض لنقد منهجه وتسفيه استنتاجاته ونقض وقائعه من قبل باحثين ضليعين في تاريخ الاسلام.

 

ثم ان موضوع “الفتنة” هذا الذي تشهره “دار الفتوى” هو تهديد صريح في غير محلِّه حين تكون هناك دولة وقضاء. فلسنا قبائل جاهلية لنمارس الثأر والغزوات ولسنا في القرون الوسطى لنقيم الحدَّ خارج المؤسسات، ونحن نعيش حتى إشعار آخر في دولة مدنية يحكمها قانون ودستور.

 

هناك شيء آخر. يعتقد اصحاب الديانات التوحيدية انهم وحدهم في الكون. ويتجاهلون ان هناك أعداداً أكبر من اعدادهم لها آلهتها ومعتقداتها ومحرّماتها، ولنأخذ الصينيين والهنود على سبيل المثال. وينسى كل هؤلاء ان هناك بشراً خارج كل هذا الاطار وحقهم ان يعبروا كتابة وفناً وممارسة، ما دام ذلك يحصل في اطار القناعات والبحث والابداع بلا تجريح أو قلة احترام.

 

إعتذرت نائبة رئيس التيار، هذا شأنها، لكن مشكلتها لم تكن في اختيارها كتاباً بل في رصيدها السيئ لدى الناس.