إختارت مي خريش ايران، عندما طرح عليها الإعلامي طوني خليفة السؤال: بين ايران والسعودية من تختارين؟
تردّدت المسؤولة الحزبية اللبنانية قليلاً قبل الجواب. وللإنصاف، شهقت وزفرت ودارت عيناها في محجريهما، ثم تمطّت وتثاءبت، وتنهّدت قبل أن تأخذ نَفَساً عميقاً وتنطق بالجواب الذي لا يحتمل الإستعانة بصديق، فقالت انها تختار ايران!
لم يكن في البرنامج متّسع من الوقت لشرح الأسباب التي تدفع سياسياً لبنانياً من غير المنتمين لخطّ الإمام الخميني وخليفته الخامنئي الى انتهاج مثل هذا الخيار المصيري. ولم تكن السيّدة المذكورة مضطرّة لقولِ ما قالته، لولا إعتقادها بأنّ إختيارها يخدم الموقف السياسي الذي تنتمي اليه، في اعتباره متناغماً مع أنصار ايران الخميني في لبنان. وهي، عندما نطقت بشهادتها، ما كانت تنظر الى أبعد من هذه المصلحة الضيّقة، أو ما اعتقدت أنّ فيه مصلحة لحزبها وجماعتها.
ويقيناً أنّ تفاهم “سان ميشال” لم ينصّ أبداً على محبّة إيران. وكثيرون من أركان “التيار الوطني الحرّ” يتحدثون عن تباينات في المواقف بينهم وبين الشريك الآخر في التفاهم، فكيف اذا كان ذلك يتعلّق بالمصلحة الوطنية العليا، وعلاقات التاريخ والجغرافيا ومعيشة مئات ألوف اللبنانيين؟
كان الحسّ السليم يقضي باختيار الدولة العربية التي وقفت منذ استقلال لبنان الى جانبه، سياسياً واقتصادياً ومالياً، والتي استضافت وتستضيف على أراضيها منذ أربعينات القرن الماضي عشرات الألوف من اللبنانيين وعائلاتهم، عملوا في مشاريعها، وبنوا منازل ومؤسّسات لهم في وطنهم، فحرّكوا اقتصاده وأتخموا مصارفه بمدخراتهم، وحوّلوا الى ذويهم ما يساعدهم على تخطّي هجوم المجاعة والفقر… والسلطة.
لكنّ الحسّ السليم مفقود لدى هذا الصنف من الناس، ومهمّة هؤلاء تبدو إثارة المشاكل للمسؤولين عنهم. وفي إعتقاد كثيرين أنّ تلك السيدة لو خُيِّرت بين السويد وايران كانت ستختار الأخيرة، فخيارها غريزي وليس عقلانياً، وهي مثلها مثل أفراد جمهور الفوتبول الذي يصفّق للفريق المنافس لمنتخب بلاده وعلى أرضه!
كان الأجدى اختيار الصمت على الأقلّ، أو الشروع في مناقشة جدوى السؤال، أو الإنصراف الى شرح محاسن السجّاد الإيراني وفضائل الزعفران، قبل الحسم المجّاني بعدم تفضيل السعودية.
وفي كلّ حال، لا جدوى من السؤال والجواب. ففقدان البوصلة الوطنية ومصلحة لبنان العليا أضاع أحزاباً، فكيف بأشخاص سمح لهم الدهر بالوصول الى شاشة؟ وفي السعودية حيث شاهدوا ما شاهدوا، كانت ردودهم مُختصرة ومُعبّرة… علّق الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز ساخراً:
“هذا يومٌ حزين لنا كسعوديين. إحفظوا هذا التاريخ العاشر من اكتوبر. مي خريش اختارت إيران ولم تختر السعودية. اخواني أعلمُ أنّ الخطب فادح، ولكن بتكاتفنا سنتجاوز هذا المصاب الأليم”!