IMLebanon

أيار شهر الإستحقاقات وجني الأرباح

 

تتجمّع استحقاقات كبيرة في أيار المقبل، فهنالك أولاً الاستحقاق المتعلق بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تجديد أو عدم تجديد الاتّفاق النووي مع إيران والذي كان قد ولِدَ نهاية عهد سلفه باراك أوباما.

وهناك ثانياً ما تحدّثت عنه واشنطن بنقل السفارة الاميركية الى القدس وتدشين المبنى المخصَّص لها، على رغم انّ مؤشرات جديدة بدأت تظهر حول تأجيل التدشين لأسباب تتعلّق بعدم حيازة المبنى على شروط الحماية الامنية فيما هنالك أسباب أخرى وتتعلق بتأجيل إعلان الخطة الاميركية للتسوية الاسرائيلية ـ الفلسطينية نتيجة ظهور عقبات كبيرة واقتراح البعض تأجيل ذلك الى مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس.

والاستحقاق الثالث الذي سيتأثّر به الشرق الاوسط حتماً ويتعلق باللقاء المرتقب بين الرئيس الاميركي ورئيس كوريا الشمالية والذي يُنظر اليه على أساس أنه سيشكّل انتصاراً خارجياً باهراً له بعد سلسلة الخسائر على مسرح السياسة الدولية، وهو يريد الوصول الى قاعة المفاوضات حاملاً أوراق قوة و»رهبة» يُعتقد أنه قادر على التقاطها من ساحة الشرق الأوسط.

أما الاستحقاق الرابع فهو المتعلّق بالانتخابات التشريعية في العراق والتي من المفترض أن تكرّس المعادلة السياسية العراقية، وأن تفتح الباب امام ترتيب الأدوار في سوريا، وخصوصاً مع تركيا.

وتروي المعلومات الديبلوماسية على هذا الصعيد أنّ واشنطن تعمل على توسيع إطار تعاونها السياسي والعسكري مع الحكومة العراقية الموالية لإيران. وفي السياق نفسه يمكن إدراج الزيارة التي يستعدّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للقيام بها الى بغداد فور عودته من زيارته الطويلة الى الولايات المتحدة الاميركية.

والاستحقاق الأخير هو لبناني بنكهة إقليمية ويتعلّق بالانتخابات النيابية. صحيح أنّ الساحة اللبنانية لم تعد منذ فترة بعيدة ساحة مواجهة مباشرة بين إيران والسعودية، وأنّ التسوية التي أدّت الى وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، كرّست مبدأ «تحييد» الساحة اللبانية، إلّا أنّ ذلك لا يعني عدم تأثر الساحة اللبنانية بمقدار كبير بالتطورات الإقليمية، ومسار النزاع الكبير الدائر في المنطقة والذي ما يزال يهزّ الساحة السورية الملتهبة.

تكفي الاشارة في هذا المجال الى توجّه باريس لتأجيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان للمرة الثانية في انتظار اتّضاح المشهد الإقليمي مع الاشارة الى أنّ فرنسا نجحت في نيل موافقة أميركية على دور أوسع لها في لبنان وأيضاً في فتح قناة تواصل وتفاوض مع إيران.

وتأتي زيارة وليّ العهد السعودي الطويلة نسبياً (ثلاثة اسابيع) للولايات المتحدة الاميركية لتستبق استحقاقات أيار وهو الذي يركّز على ملف نزاع بلاده مع تعاظم نفوذ إيران في الشرق الاوسط. وقد اختصر أحد الديبلوماسيين الأميركيين الزيارة بالقول: «زيارة طويلة مقرونة بطموحات كبيرة، لكن يجب أن لا يَغفل عن بالنا المعطيات والوقائع والحقائق».

ولم يعد سرّاً أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عاد من لقائه الاخير بالرئيس الاميركي دونالد ترامب متفائلاً بمنح إسرائيل حرّية حركة اوسع في مواجهة توسّع النفوذ الايراني. وفرحة نتنياهو لا تقتصر فقط على إعادة تجديد الوظيفة التي كانت تتولّاها إسرائيل كشرطي للمنطقة، بل لأنها تسمح لنتنياهو بالهروب من ازمته الداخلية، تماماً كما تساعد ترامب في التخفيف من الضغوط القائمة عليه داخلياً.

ولم يكن بريئاً تسريب إسرائيل طريقة قصفها المفاعل النووي السوري في دير الزور، خصوصاً أنّ هذا الموضوع خضع مسبقاً لموافقة القيادة العسكرية للسماح بنشره الآن. والرسالة واضحة وهي موجّهة لإيران وما يُحكى عن وجود مصانع للصواريخ في سوريا ولبنان.

وفي واشنطن بدا وليّ العهد السعودي سخيّاً مرة جديدة مع ادارة ترامب فتمّ الاتّفاق على صفقات تجارية للشركات الأميركية تبدأ بـ 35 مليار دولار وتصل لاحقاً الى مئتي مليار دولار وتؤدّي الى خلق ملايين فرص العمل للأميركيين. وتشمل زيارة الامير محمد بن سلمان اجتماعاتٍ مع رجال أعمال ورؤساء شركات ومسؤولين في قطاع النفط والغاز في هيوستن اضافة الى رحلات الى نيويورك وبوسطن ولوس انجلوس وسان فرنسيسكو.

ولا شك في أنّ ترامب سيعمل على استثمار هذا «النجاح» الاقتصادي في الداخل الاميركي وفي إطار التحضير للانتخابات النصفيّة التي ستُجرى في الخريف المقبل والتي يعاني منها سلباً الحزب الجمهوري.

وفي المقابل استبق البيت الأبيض وصول بن سلمان بالحديث عن ضربة ضد إيران في سوريا والى درجة أنّ البعض هوّل بالحرب. وخلال الاسابيع الماضية أصدرت وزارة الدفاع الأميركية قراراً بإنشاء ستة ألوية للتدخّل السريع في انحاء العالم، وبالفعل تمّ الانتهاء من إنشاء اوّل لواء للتدخل السريع وهو مخصّص للشرق الاوسط.

وحول طاولة مستديرة عقدها معهد الشرق الاوسط قال ديفيد كاتلر، وهو مسؤول سابق رفيع في المخابرات الوطنية ومسؤول عن قسم الشرق الاوسط إنّ وليّ العهد السعودي يضع ملفّ اليمن في مقدمة مطالبه وفق خطين: الأول زيادة الدعم اللوجستي والعسكري الاميركي من خلال الاطّلاع أكثر على المعلومات التي تؤمّنها طائرات «الاواكس» اضافة الى السماح بتزويد المقاتلات السعودية الفيول في الجو.

والثاني تفعيل مبادرة وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي والذي كان زار طهران منذ مدة قصيرة. كذلك تمّ التطرّق الى توسّع النفوذ الايراني ودعوة ترامب الى عدم سحب القوات الاميركية من سوريا، وحيث إنّ الرئيس الاميركي يطالب بزهاء خمسة مليارات دولار لتأمين كلفة بقاء هذه القوات وهو ما سيحصل عليه.

وبدا وليّ العهد السعودي متفائلاً في ملف مواجهة إيران بعد أن رصد تفكّك الثلاثي داخل الادارة الاميركية والذي عُرف عنه معارضته لإلغاء الاتفاق النووي. فبعد اقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون يسلك مستشار الامن القومي ماكماستر طريق الرحيل عن الادارة، فيما بقاء وزير الدفاع جيمس ماتيس بمفرده داخل الادارة سيُضعف موقفه، أو هكذا يأمل وليّ العهد السعودي الذي مهّد «لهجومه» على إيران بتأمين مقايضة عبر التلويح بحقه في دخول باب التسلّح النووي.

وخلال المرحلة الماضية وثّقت السعودية علاقتها بباكستان فزار رئيس اركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا الرياض أخيراً للمرة الثانية في غضون شهرين حيث التقى وليّ العهد السعودي. صحيح أنّ لباكستان 1600 جندي في السعودية واتفاقات تدريبية مشتركة بين البلدين، إلّا أنّ اتّفاقاً حصل على أن تنقل باكستان الى السعودية صواريخ مزوّدة رؤوساً نووية في حال دخلت السعودية في أزمة.

وجاء الدخول الباكستاني الى الخليج عقب إصدار خبراء للأمم المتحدة تقريراً يؤكّد أنّ الصواريخ الاربعة التي سقطت في السعودية إيرانية المنشأ.

لكنّ حسابات واشنطن تبدو أكثرَ مكراً وخبثاً، فهنالك في الادارة الاميركية مَن يرى المصلحة الاميركية من خلال الاستفادة من تعاظم نفوذ إيران وتكليف إسرائيل بضربة جوية مضمونة ولا تؤدّي ابداً الى اندلاع حرب أو نزاع واسع، وأنّ ذلك سيؤدّي الى ارتماء خصوم إيران في حضن إسرائيل أكثر، وفتح طريق التطبيع معها، لا بل وفتح أبواب التعاون والاستثمار الاقتصادي، وهذا ما سيؤدّي في نهاية المطاف الى الدفع في اتّجاه علاقة تحالفية مع دول الخليج وإحالة ملف المساعدة المالية السنوية لإسرائيل لتصبح على كاهل المحور العربي المعادي لإيران، وهو ما يعني في النتيجة رفع التوتر ولكن مع المحافظة على المعادلة الإقليمية التي تمّ تثبيتها نتيجة الحرب في سوريا. فاستمرار النزاع الخليجي ـ الإيراني سيسمح لاحقاً بالاعتراف الصريح بالكيان الاسرائيليي.

وفي 13 شباط الماضي أعلن الرئيس الفرنسي انّ انتشار الصواريخ الإيرانية داخل سوريا واليمن يشكل تهديداً للحلفاء في المنطقة، وطالب بوضع إيران تحت الرقابة الصارمة في شأن الصواريخ البالستية، مقترِحاً فرضَ عقوبات جديدة على برنامج إيران للصواريخ البالستية، ولكن مع المحافظة على الاتّفاق النووي.

ألا يشكّل هذا الكلام تحديداً واضحاً لسقف النزاع الحاصل، خصوصاً وأنّ باريس باشرت في لعب دور جديد في الشرق الأوسط بمباركة أميركية؟
واشنطن تريد أن تلعب وأن تربح على كل المستويات، وهو ما يجدّد تعريف ترامب بأنه «رجل اعمال بلباس مرقّط».