Site icon IMLebanon

رئيس بلدية بيروت «سمسار» الشركات العقارية

«مبروك، لقد تم إعلامنا من قبل مكتب د. بلال حمد بأن المجلس البلدي وافق على البناء الإضافي»

مرّة أخرى، تنكشف فصول فضيحة بطلُها رئيس المجلس البلدي في بيروت، بلال حمد. هذه المرة، تنشر «الأخبار» مضمون رسالة تلقّتها شركة عقارية من مكتب حمد الخاص تفيد بأن المجلس البلدي وافق على إضافة طبقات على مشروع يُقام في حي سرسق التراثي، وتطلب الرسالة من الشركة التعاون مع مكتب حمد في مشاريعها المستقبلية

«يشرّفنا إبلاغكم أن مجلس البلدية (أي بلدية بيروت) وافق على طلبكم إنشاء طبقات إضافية كما وعدناكم. نتمنى لكم النجاح في هذا المشروع، ونأمل بإخلاص التعاون مع capstone في مشاريعها المستقبلية».

هذه ترجمة حرفية لرسالة عبر البريد الإلكتروني، بعث بها المسؤول عن المهندسين في مكتب «code للاستشارات والتنفيذ الهندسي»، حسن عيسى، الى محمد مريسي من شركة batimat architects.

قد يبدو مضمون الرسالة عادياً ولا يثير الريبة، ولا سيما أن المرسل والمتلقي يعملان في شركتين خاصتين تعملان في مجال واحد، هو الهندسة. ولكن مهلاً، هناك بعض التفاصيل التي يجدر التدقيق بها قبل اتخاذ أي موقف:

– شركة «code للاستشارات والتنفيذ الهندسي» (http://code-lb.com)، تعود ملكيتها لرئيس بلدية بيروت بلال حمد، وهو يتولى منصب المدير العام فيها، وتلقى نسخة من الرسالة نفسها (CC) لتأكيد أن الشركة الأخرى تبلّغت أن طلبها إنشاء طبقات إضافية قد تمت الموافقة عليه في المجلس البلدي، وأن هذه «الموافقة» هي «عربون» تعاون بين الشركتين في المستقبل!

– شركة batimat architects هي الشركة التي تتولى أعمال الهندسة المعمارية لمشروع L’Élite de Sursoc، الذي تنفذه في منطقة الأشرفية شركةCapstone Investment Group، هذا المشروع (http://www.capstoneinvestgroup.com/pictures/L›Elite-Brochure.pdf) يستهدف إنشاء مبنيين سكنيين من 28 طبقة في الحي المصنّف «تراثي»، وتسعى الشركة الى إضافة طبقات على المبنيين لكسب المزيد من المساحات المبنية القابلة للبيع، وهي تحتاج الى موافقات استثنائية من الجهات الرسمية المعنية لتجاوز ما تتيحه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.

– رئيس مجلس إدارة شركة Capstone ومديرها التنفيذي، زياد معلوف، تلقى الرسالة نفسها، وأعاد إرسالها (Forward) الى كل من: (نائب الأشرفية) ميشال فرعون، (عضو المجلس البلدي) فيليب دي بسترس، داني غندور، إيلي واكيم و(عضو مجلس غرفة التجارة في بيروت) فيكتور نجاريان. وأرفقها بالعبارات الآتية: «مبروك، لقد تم إعلامنا من قبل مكتب د. بلال حمد أن المجلس البلدي وافق على البناء الإضافي في (مشروع) سرسق، ما يفتح الطريق حالياً للاستحصال على المرسوم. الخطوة المقبلة هي الحصول على موافقة التنظيم المدني، وزارة الأشغال، ثم مجلس الوزراء، حضرة الرئيس (يقصد فرعون الذي يناديه أنصاره بصفته الرئيس الفخري لنادي الراسينغ)، دعمك مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى. أستاذ دي بسترس، رجاءً فلنلتقِ الأسبوع المقبل لنناقش هذه المسألة ومسألة حديقة جبران تويني. الثلاثاء أو الأربعاء؟».

المسألة صارت أوضح.

شركة خاصة تستثمر في البناء. تسعى الى الحصول على مرسوم استثنائي يجيز لها عامل استثمار أعلى مما تجيزه لها القوانين والأنظمة لزيادة ربحية مشروعها. تلجأ الى علاقاتها مع النافذين لإجراء الاتصالات اللازمة والضغط على الجهات الرسمية المعنية للحصول على الموافقات المطلوبة، ولا سيما من مجلس بلدية بيروت. يستجيب رئيس المجلس البلدي بلال حمد. يستغل سلطته طمعاً بمنافع شخصية عبر التعاون بين شركته الخاصة والشركة طالبة الموافقة.

هل هناك أوضح من هذه الطريقة التي تسير فيها الأمور؟

تجدر الإشارة الى أن حمد هو أيضاً رئيس لجنة تخمين المتر البيعي في بلدية بيروت، وهو يجاهر عبر موقع شركته بأنها نفذت عقود دراسة وإشراف على 50 مشروعاً بين عامَي 2010 و2015، أي خلال فترة توليه منصبه في رئاسة البلدية، علماً بأن الشركة نفسها لم يتخطّ عدد المشاريع التي عملت عليها العشرين مشروعاً في الفترة الممتدة من عام 1990 حتى عام 2010. فكيف زادت مشاريع حمد الخاصة خلال 5 أعوام أكثر من ضعف أعماله في خلال السنوات العشر السابقة على توليه رئاسة بلدية بيروت، علماً بأنه كان متفرغاً بالكامل لعمله الخاص في تلك الفترة.

الجدير بالإشارة أن حمد ليس متفرغاً بالكامل لرئاسة المجلس البلدي، ويعمل أيضاً محاضراً برتبة أستاذ بدوام كامل في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي ذلك مخالفة لقانون الجامعة الذي يمنع الأساتذة المتفرغين من القيام بوظائف خارج نطاق التعليم، باستثناء الأعمال غير الربحية.

هذه ليست المرة الأولى التي تدور فيها شبهات حول استغلال حمد لسلطته في البلدية من أجل تحقيق منافع شخصية، إذ سبق أن حققت النيابة العامة في ديوان المحاسبة معه، منذ عامين، بناءً على إخبار يتعلق بالشبهة نفسها التي تثيرها الرسالة المشار إليها (http://www.al-akhbar.com/node/201666).

الإخبار اتهم حمد بأنه يشغّل شركته الهندسية للاستفادة من عقود مع تجار البناء مقابل خفض التخمينات، بما يحقق مبالغ ضخمة لكبار التجار، وذلك في مقابل تلزيم شركته «دراسات هندسية» بشكل صوري، مستفيداً من منصبه كرئيس بلدية وكرئيس لجنة تخمين المتر البيعي، في إطار ما وصّفه الإخبار بعمليات «نهب» للمال العام ومحاباة لمصالح تجار العقارات والبناء و«التلاعب بالقيم التخمينية لأسعار الأراضي».

المدعي العام المالي لدى ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس فتح تحقيقاً واسعاً شمل رئيس بلدية بيروت بلال حمد وأعضاء آخرين في المجلس البلدي، إلا أن القضية لا تزال «عالقة» لديه، بحسب ما أوضح لـ«الأخبار»، وقال القاضي خميس إنه لم يستطع تجميع المعطيات الكافية التي تسمح له بالادعاء على رئيس البلدية أو أعضاء فيها، ويرد ذلك الى أنه استدعى رئيس البلدية وأكثر من عضو في المجلس البلدي، «ولكنّ أياً منهم لم يخبرنا شيئاً عن القضية»، حيث نفوا جميعاً المضمون الوارد في الاخبار.

طلب القاضي خميس تزويده بنسخة عن الرسالة التي تنشرها «الأخبار» لكي يستطيع اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال التحقيق في ضوء المعطيات الجديدة.

يُذكر أن «الأخبار» تناولت في تقرير سابق موافقة مجلس بلدية بيروت، في 5 أيار 2015، على شراء 6 عقارات بطريقة الاتفاق بالتراضي بكلفة إجمالية تبلغ 214.1 مليون دولار (http://www.al-akhbar.com/node/239107). وقد اعترض حينها عضو المجلس إيلي حاصباني على الصفقات الست، بعدما تنامت إليه معطيات من مكتب تخمين عقارات يملكه جبران فؤاد عجرم، أن حمد رفض استعمال التقارير الصادرة عن مكتب عجرم بسبب انخفاض قيمة التخمين ولم يوافق إلا على تقارير التخمينات ذات الأسعار المضاعفة التي قدّمتها مكاتب أخرى.

حاولت «الأخبار» الاتصال بحمد لنقل توضيحاته، إلا أنه أجاب في المرة الأولى. وبعدما عرف هوية المتصل، طلب معاودة الاتصال به بعد نصف ساعة بذريعة انشغاله في اجتماع عمل، إلا أنه لم يجب على الاتصالات المتكررة لاحقاً.