رئيس بلدية صيدا ناصري يدعمه الحريريون
محمد السعودي: السياسة لا تليق بي!
السعودي: لشو النيابة؟
حجز محمد السعودي مقعداً وسطياً في صيدا التي تتنازعها خلافات أفرقائها. جاء آل الحريري بالمهندس الناصري ورجل الأعمال رئيساً للبلدية. أزال جبل النفايات المستعصي وبنى جسور تواصل مع المتخاصمين… يشبهه كثيرون برفيق الحريري، إلا أن الرجل يؤكّد: السياسة لا تليق بي!
ما من داعٍ للعودة إلى الأرشيف لاستعادة الظروف التي أوصلت محمد السعودي إلى رئاسة بلدية صيدا عام 2010. بلكنته الصيداوية البسيطة يختصر ابن السادسة والسبعين عاماً المرحلة: «اتصلت بي النائبة بهية الحريري وتمنّت عليّ الموافقة على أن أكون مرشحاً توافقياً. لكنني استمهلتها في الردّ لكي أستشير صديقي أسامة سعد». رهن رجل الأعمال موافقته برأي الزعيم الشعبي.
سعد، بدوره، استمهله الى اليوم التالي. وعلى الهاتف، أبلغه بموافقته على أن يوافق على عرض الست بهية. لكن المرشح التوافقي سرعان ما تحوّل إلى رئيس لائحة مدعومة من تيار المستقبل وحلفائه في وجه لائحة مدعومة من سعد وحلفائه. وفي معركة ضارية، فازت اللائحة الزرقاء بكامل أعضائها، من بينهم أحمد الحريري ومستقبليون وممثلون عن الجماعة الإسلامية ومستقلون. ورغم انه يحسب نفسه على المستقلين، إلا أن السعودي صار في «بوز المدفع». وبعد أن بدأ رئيساً توافقياً، بات محسوباً على فريق دون آخر في حمأة الإنقسام الصيداوي الذي اشتد بعد الإنتخابات النيابية التي أسقطت سعد وأحلّت الرئيس فؤاد السنيورة محلّه.
رئاسة البلدية الحريرية لم تستطع محو البيانات الشخصية للسعودي. يحدد تاريخ معرفته بالنائبة الحريري بانضمامه إلى مجلس رجال الأعمال الصيداويين قبيل الإنتخابات البلدية. في وقت لاحق، تعرف إلى السنيورة من خلال شقيقه. بين هذا وذاك، كان يُطلب منه درس عدد من مشاريع البنى التحتية للمدينة من الوجهة الهندسية. لم تتعد المعرفة هذا الحد، إلى أن تلقى عرض الحريري. لا يضيّع الرجل نفسه في الزواريب الضيقة. ليس حريرياً ولا مستقبلياً. بل إنه اختير بسبب قربه من بيت سعد. «أرادوا الإستفادة مني كمهندس وكمحسوب على فريق سعد، يستطيع على الصعيدين استقطاب التوافق من حوله لدى الخصوم والحلفاء».
لولا عبد الناصر
ما تعلّم أحد من
فقراء صيدا
يجمع كثيرون في صيدا على أن اختياره كان ضربة معلم. برغم قلة المعرفة الشخصية بينهما، يشبّه كثيرون السعودي بالرئيس رفيق الحريري من بعض النواحي. السعودي أيضاً نشأ في عائلة متواضعة. تنقله بين مدرسة الأميركان والمقاصد في صيدا والكلية العاملية في بيروت، في الأربعينيات والخمسينيات، ساهم في تكوين توجهاته التي استندت في الأساس إلى تأييد والده للشهيد معروف سعد. دراسته في الكلية كانت بهدف تأمين فرصة عمل في التعليم لديها عقب التخرج. درّس فيها ثلاث سنوات، متأخراً عن الدراسة الجامعية ليدعم أسرته مادياً. في 1960، انتقل إلى مصر لدراسة الهندسة المدنية في جامعة القاهرة. اختيار مصر لأن جامعاتها كانت مجانية واختياره لذاك الإختصاص لكي يجد وظيفة بسرعة. ليست مصر جمال عبد الناصر، حينها، من جعل منه ناصرياً. معروف سعد هنا كفّى ووفّى. «كنت ناصري ناصري» يقول بشدّة. «بفضل سعد، مدّ عبد الناصر يده إلى صيدا. لو ما عبد الناصر ما حدا تعلم من فقرائها» يقول. في سنواته المصرية، حظي السعودي بمنح إضافية من الدولة وصار نائب رئيس رابطة الطلبة اللبنانيين. في العطل الصيفية، كان يدرّس ويتابع نشاطه الناصري في ظلال معروف. كان واحداً من عناصر الماكينة الإنتخابية له وعمل مندوباً لصالحه في الصناديق الإنتخابية. بالتزامن مع نكسة العام 1967، تخرج السعودي من الجامعة. بعد ثلاثة أشهر، توظّف في شركة «المقاولون العرب» في السعودية. ترقيه في المناصب حتى عضو مجلس إدارة، سمح له بدعم صيداويين محسوبين على التيار الوطني للعمل في مشاريعها. في الرياض كان يلتقي برفيق الحريري لقاءات عابرة من خلال أصدقاء مشتركين. وفي صيدا كان يعاين مشاريعه الإقتصادية. لكن ذلك لم يؤثر على ولائه لبيت سعد. في عهد البلدية السابقة، كان صديقاً وناصحاً لعبد الرحمن البزري وأسامة سعد.
حالياً، يعرف المسافة الفاصلة بين السياسة والبلدية. «استطعت أن أحيّد المجلس البلدي» يصر. لكنه يقر بدعم السنيورة والحريري. «لولاهما لما استطعت تسهيل سير المشاريع والمطالب تجاه إدارات الدولة وملاحقة الحاجات وأخذ المواعيد من المسؤولين». يقر أيضاً بالدعم السياسي الذي حقق حلمه بإزالة جبل النفايات وتأهيل شبكة البنى التحتية وترميم قلعة صيدا البرية… ينوّه إلى أن كثيراً من المشاريع التي دشنها، لا سيما جبل النفايات، وضعتها البلدية السابقة برئاسة عبد الرحمن البزري، المحسوبة على التيار الوطني في المدينة. إنما للسياسة شؤون.
على نحو تدريجي، استطاع إعادة الوصل بينه وبين أصدقائه الذين وقفت الحريرية بينه وبينهم. منذ أشهر، كسر سعد مقاطعة أنشطة البلدية. بات يشارك في بعضها برغم حضور الحريري والسنيورة ورعايتهما. آخر الأنشطة، افتتاح المجلس الوطني لمكافحة الإدمان في قاعة البلدية الذي جمع في مجلس إدارته مختلف أفرقاء المدينة. يشار إلى السعودي بأنه جمع ما لا يجمع. زار واستقبل قيادة حزب الله في صيدا والفصائل الفلسطينية وآخرها عصبة الأنصار. طلب إليه التوسط لحل أزمة الإفتاء عقب تعيين المفتي السابق الشيخ محمد قباني المفتي أحمد نصار بدلاً من الشيخ سليم سوسان الذي رفض المغادرة. أثبت صداقته للجميع ما عدا أحمد الأسير الذي صوّب علانية سهامه نحوه في وقت كان «المستقبل» يوارب في موقفه. هاجمه في حضوره وسارع إلى دعم بلدية عبرا في مسح آثار مربعه الأمني.
ماذا بعد؟. «لا شيء» يقول. «بدأ العد العكسي لذهابي إلى البيت لكي أرتاح». بيته المقصود ليس الفيلا في الهلالية التي أنجز بناءها قبل تسع سنوات، بل بيت العائلة في مصر حيث تقيم زوجته المصرية وابنته الوحيدة المتزوجة من مصري. «أعيش هنا وحيداً لأنفذ ما تبقى من المهمة التي طلبت مني». يؤكد أنه لا يطمح إلى تجديد ولايته في الإنتخابات البلدية المرتقبة بعد عام. عندما رفعت صور عملاقة له في بعض أنحاء المدينة، سرت شائعات عن طموح نيابي. مجرد سماعه للحديث ينفره. هل لأن العين لا تعلو عن الحاجب؟. بل «لأن لشو النيابة؟» يقول. الشائعات وصلت إلى حد ترشيحه للوزارة أو رئاسة الحكومة أيضاً. «صار عمري 76 سنة» يقول مستغرباً. «طول عمري عشت في الصحارى في حياة غير مدنية، أنام عند الثامنة والنصف وأستيقظ عند الفجر، لا تليق بي السياسة».