الطوابع قريباً عبر الداخلية لا المالية
وآخرتها شو؟
يا مختار المخاتير، بحكيلك الحكاية، أنا ما بحبّ الشرح كتير، ولا في عندي غاية، بدي تفلّلني بكير يا مختار المخاتير… وآه يا مختار المخاتير… هي أغنية كتبها ولحّنها الأخوان رحباني وغنتها فيروز في مسرحية «ميس الريم» ويعشقها مخاتير لبنان ويُرددها الناس بابتسامة. لكن لا الشرح بات يفيد والغايات باتت كثيرة و»الفلّة بكير» باتت مستحيلة لأن لا طابع ولا طباع بل أكثر من جهنم الحمراء. نحن بحسب رئيس رابطة مخاتير بيروت مصباح عيدو نعيش كما في يوم القيامة، قيامة الأشرار في “السعير”.
مختار الأشرفيه أحمد بيضون يتسلى في «كش الحمام» ويلعن ساعة المخترة والدولة. هو يجيب المواطنين المستائين باستياءٍ عارم فلا طوابع لإتمام معاملاتهم وإذا أصروا فليأتوا بها ويوقّعها بختمه. مقهور هو أحمد بيضون. مثلنا. مختار محلة الاشرفيه الآخر الياس جريس يصرّ على بثّ بعض التفاؤل من خلال صفحته على الفيسبوك بنشر صور: صباح الخير… صباح الورد… واللهمّ إجعل لنا مكانة طيبة في قلوب الناس وارزقنا القناعة والرضى يا رب يا كريم. هو يحب أن يبعث بابتسامة لا تغيّب بعض التفاؤل. مختار شبعا محمد علي هاشم يهتم من جهته برثاء المتوفين في نطاقه: موسى وليد عبيد والدته رنا والحاج شاكر إبراهيم حمدان- أبو محمد- وسميحة حسن يعقوب… مختار المخاتير بات تعباً من كثرة الموت. لكن، ماذا عن دور المختار الأبعد؟ ماذا عن علاقة المختار بالمواطن؟
الخط المفتوح
المختار سمير يوسف صقر، مختار محلة قرطبا، قال لمواطني منطقته: «بس تسكر بوجكم خطنا مفتوح». فهل يمكنه فعل ما أصبح محالاً مستحيلاً؟
هو أتى الى المخترة لأول مرة في الإنتخابات الماضية، في انتخابات 2016، يومها أتى «بسكور» – نتيجة عالية. واليوم لا يعرف ما إذا كان سيترشح مجدداً في انتخابات أيار المقبل «فالمخترة مسؤولية كبيرة هائلة. اصبح شغلنا ومشغلتنا شحذ الدواء للمواطن مجاناً وكرتونة الفاصولياء والزيت والرز والسكّر وتأمين المستوصف. نعرف أن الأزمات بحاجة الى مواقف لكن الحاجيات باتت ثقيلة والمطلوب كثير».
لم تعد المخترة وجاهة بل ذلاً. من قبل كان المختار يهتم بامور المواطن العقارية ومسائل النفوس وحصر الإرث ووثائق الولادة والوفاة وإخراجات القيد والعالم كانت مرتاحة. الأمور تبدلت كثيراً اليوم. فماذا لو أتى مواطن طالبا إخراج قيد إفرادي اليوم؟ يجيب المختار صقر «ليش ليكون في طوابع بالأول. كنا نوفره له حالا من قبل اما اليوم فنتبهدل نحن ويتبهدل هو».
ليس كل المخاتير سواسية «هناك مخاتير لا همّ لهم إلا تلبية دعوات الى سهرات وحفلات أما المختار الذي يعيش مع الناس فهمّه أكبر من همومهم». يقول صقر مضيفا «حال مختار المدينة أفضل من حال مختار الضيعة الذي «يأكلها» على الطالع وعلى النازل. ماذا يقصد بذلك؟ يجيب «نحن نخدم مواطنينا برموش العيون لكن من يموتون في مستشفيات المدن تنظم وثائق الوفيات فيها فيأخذ مختار المدينة منهم ما يشاء أما نحن فنخدم المواطن مجاناً». هو المختار صقر فرح بخدمة الناس لكن همّه – الذي يعبّر عنه صوته المتهدج مراراً – كبير كبير.
سماسرة الطوابع
فلنتوجه نحو المدينة. رئيس رابطة مخاتير بيروت مصباح عيدو يصف بدقة هذه المرحلة: «نعيش اليوم أكبر معاناة في حياتنا». هو مختار منذ أكثر من أربعين عاماً ولم يحدث أن انقطعت الطوابع يوماً التي هي أوكسيجين عمل المختار. والسبب على ما قال «دولة غير مسؤولة. وزير مال غير مسؤول. وزراء ونواب غير مسؤولين…» ويستطرد بسؤال:»هل يمكنني أن أدعوكِ الى عشاء من دون إعداد طعام؟ وزير المال دعانا الى وليمة بلا طوابع. رفع كل الرسوم على المعاملات في الموازنة المقررة ولم يزودنا بطوابع مالية. رفع قيمة طابع الألف الى عشرين ألفاً، ولا نجد لا طابع الألف ولا طابع العشرين ألفاً. وحدهم السماسرة يتحكمون في الموضوع. أصدر وزير المال قراراً مطاطياً يلغي فيه الطوابع طبعة 2021 بدءاً من واحد نيسان 2023. فلماذا لم يقم بذلك منذ اليوم؟ لماذا قرر إعطاء فترة سماح بدل إجبار الجميع على رمي الطوابع القديمة في السوق فيرتاح المواطنون؟ ويستطرد: البارحة نزل طابع الخمسة آلاف الى السوق لكن بكمية قليلة لا تشبّع السوق المحلية».
لا شيء «ماشي». البلد مقطوع النفس والمختار الذي كان يأخذ نفساً من محبّة الناس وبعض «فتافيت»- على شكل طابع المختار- سحبوا من تحت بساطه حتى الطابع المالي. مخاتير بيروت عددهم 108، يتوزعون على إثني عشر حياً (حسب التسمية الرسمية). والأحياء هي: المزرعة، المصيطبة، الأشرفية، الرميل، المدور، الباشورة، زقاق البلاط، رأس بيروت، ميناء الحصن، دارالمريسه والصيفي. لكل حيٍّ مخاتيره. والعدد الأكبر في المزرعة، 15 مختاراً، والعدد الأقل في الصيفي ثلاثة مخاتير. وهناك ثلاث نساء مخاتير فقط في بيروت من أصل 108 وهنّ: ميّ صعب ورين عبد النور في الرميل ونيللي تابت في محلة المدور.
مختار المخاتير لا يزال في العقل الباطني لدى كثير من اللبنانيين رجلاً. لكن، في مفهوم مخاتير رجال، لا فرق بين أنثى ورجل في الخدمة العامة. رئيس رابطة المخاتير مصباح عيدو يحدد مفهوم المختار: «هو صلة وصل بين الدولة والمواطن، يحمل هموم المواطن، يساعده في بلوغ هدفه، يعطيه الإستشارة، يُنوّره» ويستطرد «مخاتير بيروت بمعظمهم مضت على انتخابهم دورتان على الأقل. والإنتخابات المقبلة ستجرى في الخامس من أيار. هذا إذا كان هناك بلد و»راس».
مختار المزرعة
مختار محلة المزرعة الحاج عصام القيسي توقف من جهته عن إنجاز معاملات إخراجات القيد الإفرادية أو العائلية ويقول: «معاناتنا كبيرة. حين يراجعني مواطن أقول له: هل لديك طوابع؟ توقفتُ في الفترة الأخيرة عن إنجاز إخراجات القيد. كلفة الطوابع تجعلني أخجل أن أقول للمواطن كم سيتكبد كلفة المستند الذي يريده».
مختار منطقة المزرعة يعرف المواطنين، أولاد المحلة، أما الجدد، الغرباء، وعددهم يزيد فيُشدد على إنجاز معاملاتهم «أطلب منهم أن يأتوا بسند الملكية أو بورقة الإيجار إذا طلبوا إفادة سكن. أما إذا أتى مواطن من بيت العيتاني من راس النبع فأعطيه الإفادة على العمياني». يبتسم المختار.
ثمة علاقة وطيدة، أو يفترض أن تكون وطيدة، بين المخاتير والمواطنين. مختار تنورين وليد وهبي يحبه الأهالي ويأتون إليه من كل المنطقة «وهو يأبى أن يتقاضى قرشاً منهم». التنوريون يتحدثون ويسهبون عن خصاله.
المختار في الضيع والأرياف يبدو ملتصقاً بالسكان ويرجعون إليه في كل كبيرة وصغيرة. هو المرشد والمصلح. هو المختار. ألا تتذكرون المختار محمد شامل في «الدنيا هيك» الذي كان يحلّ المشاكل بين السلمنكي وزمرد وبلبل وشروف؟ ألا يتذكر الكبار بينكم سؤال: ليش هيك يا مختار؟ وجواب محمد شامل: لأنو الدنيي هيك؟ مخاتير لبنان يرددون جميعاً جميعاً، بلا استثناء، اليوم على سؤال المواطنين: ليش هيك؟ لأنو الدنيي هيك… لا ضمان يخضع له المخاتير. لا راتب. فكيف يعيشون اليوم؟ يجيب القيسي: «أعطونا طابع المختار وهناك معاملات مربحة أكثر من معاملات وبينها: جوازات السفر. نحن نحصل على استمارة جواز السفر مجاناً ونبيعها للمواطن بخمسين الفاً بعدما كانت بعشرين ألفاً».
ماكنات الوسم
نعود الى رئيس رابطة مخاتير بيروت لنسأله مجدداً عن أحوال اللبنانيين مع المخاتير وأحوال المخاتير مع دولة إنهارت؟ يجيب «نحاول تأمين حاجات المواطنين قدر الإمكان ومن نشعر أنه قادر على تأخير معاملته نتمنى عليه ذلك. لا أقبل أن يأتي الى مكتبي مواطن وأقول له: معاملتك لن تنجز. «وين بدو يروح؟». الى من يلتجئ؟».
هل يملك المختار حلولاً؟ يتحدث عيدو «عن ماكينة وسم موجودة في وزارة الخارجية تعمل ساعتين فقط وتتعطل ست ساعات يومياً. إسألينا لماذا؟ كي يسمح الموظفون لبائعي الطوابع المالية في السوق السوداء بالإستفادة. نحن طالبنا وزير المال بوضع ماكينات الوسم في دوائر النفوس لتكون بديل الطوابع غير الموجودة ومراقبة عملها. وعدنا. وعلى الوعد يا كمون. وزير المال يصدر بيانات وقرارات من دون أن يجهز نفسه. إنه مثل من يصعد الى الثلج بالشورت».
غريبٌ هو أمر دولتنا. ما في شي ماشي. هي تزيد الرسوم يميناً ويساراً ولا تقدم «مواد العمل». فأين الطوابع المالية؟ ثمة خبر قد يكون جيداً إذا… إذا… نفذ. يقول عيدو: «كرابطة مخاتير بيروت اجتمعنا مع وزير الداخلية وطلبنا ان يكون الطابع المالي الذي نستلمه من وزارة المال موجوداً في وزارة الداخلية، بمعنى تأخذ الداخلية من وزارة المال ما نحتاج نحن إليه. وقد تعهد المدير العام للصندوق التعاوني للمختارين في لبنان جلال كبريت بأن نتسلم من خلاله الطابع العادي مع طابع المختار. هو حلٌّ قد يقضي على بعض براثن الأزمة في لبنان. ويبدو أن نقابة المحامين ستعتمد بدورها نفس الصيغة. قولوا الله. عبارة رددها كل المخاتير الذين إلتقيناهم. الله.