IMLebanon

معنى أن تتجرّأ البحرين على إيران

تُعتبر مملكة البحرين دولة صغيرة مسالمة تسعى إلى تطوير نفسها في ظلّ ظروف اقليمية صعبة ومعقّدة. هذا لا يعني ان كلّ شيء على ما يرام في البحرين وأنّ لا مشاكل داخلية في المملكة عائدة إلى التجاذبات الداخلية بين مراكز قوى معيّنة معروفة. لكنّ الواقع يفرض الاعتراف بأن ما حقّقته البحرين من تطوّر، منذ استقلالها، كان بمثابة خطوات كبيرة إلى الامام بكلّ المقاييس.

 

لم يعد سرّا أنّ البحرين استطاعت تحقيق تقدّم وتطوّر كبيرين في كلّ المجالات، خصوصاً في مجال تحوّلها إلى أحد المراكز المالية في الخليج وتوفير فرص عمل لأبنائها. كان ذلك ممكناً لأنّ المجتمع في المملكة الصغيرة يمتلك رأس مال اسمه العلم جعل البلد يمتلك ثروة كبيرة تتمثّل بالإنسان قبل أيّ شيء آخر. 

 

يعود صمود البحرين، مذ استقلّت، إلى التجارب التي مرّت بها المملكة عبر تاريخها الطويل من جهة وإلى نضوب النفط باكراً فيها من جهة أخرى. ساعدت المراحل التي مرّت بها البحرين منذ ما يزيد على خمسة آلاف سنة في حصول تراكم حضاري ميّز اهل البلد الذي وُجدت فيه المدرسة الأولى للبنات في منطقة الخليج في العام 1928. كذلك، ساعد نضوب النفط باكراً في توجّه المواطنين إلى العلم داخل البلد وخارجه. كانت الجامعة الأميركية في بيروت والجامعات الأخرى في لبنان، بما في ذلك تلك الجامعات المخصصة للبنات اصلاً، والتي اصبحت مختلطة الآن، مليئة بالطلاب البحرينيين الذين نالوا شهادات عليا وعادوا الى بلدهم وساهموا في نهضته ابتداء من خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي.

 

اختار اهل البحرين ان يكونوا دولة مستقلة. كان استقلالهم عن ايران أوّلاً التي كانت تطالب منذ ايام الشاه بأن تكون البحرين محافظة ايرانية. من المفيد هذه الأيّام التذكير بأنّ الأمم المتحدة اشرفت في العام 1970 على استفتاء بين البحرينيين رفضوا فيه ان يكونوا محافظة ايرانية. وقد استقلّت البحرين في العام 1971. وترافق استقلالها مع احتلال ايران للجزر الإماراتية الثلاث ابو موسى الطنب الكبرى والطنب الصغرى. برّر شاه ايران وقتذاك هذا الاحتلال بأنّه تعويض عن رفض اهل البحرين ان يكونوا محافظة ايرانية واصرارهم على الاستقلال الناجز. لم يكن احتلال الجزر الإماراتية في العام 1971، وهو احتلال تتمسّك به ايران إلى اليوم، سوى تأكيد بأنّ شيئاً لم يتغيّر في الذهنية الإيرانية. 

 

تجرّأت البحرين على ايران بعدما طفح الكيل اثر اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات في الأراضي البحرينية. لم يعد لدى البحرين ما تفعله سوى اللجوء إلى السلبية بعدما تبيّن ان لغة الحوار لا تنفع مع طهران، خصوصاً في ظلّ وجود ادارة اميركية على رأسها باراك اوباما تعتبر ان الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني يغني عن التعاطي مع كلّ الملفّات الإقليمية الأخرى، بما في ذلك امن الخليج العربي.

 

للخطوة البحرينية مدلولات كثيرة. لكن المدلول الأهمّ يتمثّل في أن المنامة لم تعد مستعدة للتغاضي عن الارتكابات الإيرانية التي تشمل بين ما تشمل استخدام «حزب الله» في لبنان للإساءة بكل الوسائل المختلفة للمملكة الصغيرة. يحصل ذلك فيما معروف ان البحرين لم تقدّم يوماً سوى الخير للبنان واللبنانيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والمذهبي والمناطقي.

 

يظهر ما فعلته البحرين أنه صحيح أنّها دولة صغيرة في المنطقة. لكنّها دولة تحترم نفسها قبل ايّ شيء آخر. اكثر من ذلك، يتبيّن مرّة اخرى ان لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تنتمي اليه البحرين فائدة كبيرة. يتأكّد مجدداً ان البحرين ليست وحدها وان القوات الخليجية التي استعانت بها في العام 2011، عندما سعت ايران إلى تنفيذ انقلاب داخلي يشبه ذلك الذي نفّذته في ايارـ مايو من عام 2008 في لبنان حالت دون تعرّض المملكة لكارثة. 

 

كان الهدف الإيراني وقتذاك شلّ الحركة في المنامة عن طريق اثارة الغرائز المذهبية. جاء الدعم الخليجي ليحبط هذا التوجّه الإيراني الذي اراد استغلال «الربيع العربي» إلى ابعد حدود.

 

كان متوقّعاً ان تبدأ ايران في اعقاب توقيع الاتفاق الخاص بملفّها النووي التصرّف بطريقة مختلفة، أقلّه مع جيرانها. جاء ما اكتشفته الكويت ليدحض ذلك. لم تكتشف الكويت كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات مصدرها ايران فحسب، بل كشفت ايضاً دور «حزب الله» في تدريب كويتيين على استخدام السلاح في الأراضي اللبنانية.

 

لم تترك ايران لجيرانها الخليجيين، على رأسهم المملكة العربية السعودية، خيارات كثيرة. جعلت دولاً مسالمة في طبيعتها تخرج عن كلّ ما هو مألوف من تصرّفات اعتادت عليها هذه الدول. وهذا ما يفسّر إلى حدّ كبير الإصرار السعودي على الاستمرار إلى النهاية في «عاصفة الحزم» وصولاً إلى تمكين القوات الشرعية من العودة إلى صنعاء. وهذا ما جعل الرياض تتخذ ايضاً موقفاً حازماً من ردود الفعل الإيرانية ذات الطابع العدائي بعد كارثة منى خلال موسم الحج.

 

ما اقدمت عليه البحرين بات يلخّص التوجّه الخليجي إلى حد كبير. هناك صفحة طوتها دول عربية معيّنة في الخليج. الصفحة التي طويت اسمها صفحة التغاضي عن الإساءات لا اكثر ولا أقلّ. لهذه الدول الخليجية العربية، بما في ذلك البحرين، انيابها، كما أنّ طبيعتها المسالمة لا تعني بأي شكل أنّها غير قادرة على الرد بالطريقة المناسبة متى تدعو الحاجة إلى ذلك…