يشكّل الإعلان الإيراني عن إرسال أعداد جديدة من عناصر جيشها إلى سورية، رسالة اكثر منه عملية دعم لقوات نظام الأسد في صراعها ضد قوى الثورة في سورية، وهي رسالة، بقياس السلوك الإيراني الذي طالما تميز بالوثوقية وقناعته بحتمية الانتصار في سورية، ذات محتوى انفعالي تصادمي يهدف إلى اختراق قواعد الاشتباك المعدّلة مؤخراً عبر التفاهم الروسي – الأميركي، كما يهدف إلى ترسيخ خطوط الصدع الإقليمية وزيادة تعميقها انطلاقاً من الخنادق السورية.
ما يثبت أن الإعلان الإيراني مجرد رسالة، حقيقة أن إيران ليست بحاجة للإعلان عن زيادة انخراطها في الصراع السوري بعد أن قامت على مدار خمس سنوات بتغذيته بعشرات آلاف المقاتلين من الميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية وكذا الإيرانية، وبالتالي فإن إعلانها إرسال المئات من المقاتلين الجدد لن يغير الواقع ولن يحدث فوارق مهمة في الصراع، غير أن اللافت في هذا الإطار أن القوى الإيرانية الجديدة هي قوى من الجيش الرسمي الإيراني، وهو ما يعكس رغبة طهران في التأكيد أن حضورها في سورية يتجاوز مسألة النفوذ الثقافي وشعارات المقاومة الشعبية إلى الحضور الدولتي الرسمي الذي يفترض أن يكون له ترجمات عملية في الترتيبات الجارية لحل الأزمة السورية.
اكتشفت إيران، وبعد التدخل الروسي، أن وجودها السابق الذي اتخذ الطابع الميليشياوي لم يحقّق لها فعالية كبيرة من الناحية السياسية وأنه في لحظة جرى تطويعه في إطار المشروع الجيوسياسي الروسي في المنطقة وتهميشه إلى أبعد الحدود، كما كشفت التطورات اللاحقة للتدخل الروسي، وبخاصة ترتيبات وقف إطلاق النار والعملية السياسية في جينيف، أن كلاً من روسيا وأميركا لا تلحظان الوجود الإيراني أو بالاحرى لا تعطيانه وزناً يجعل من إيران شريكاً في تلك الترتيبات، وأنه في أفضل الاحوال عملت روسيا على دمج الميليشيات الإيرانية تحت عنوان حلفاء قوات الأسد، ولا شك وفق هذا المنطق فإنه في مرحلة لاحقة سيجري فصل هذا الاندماج لتحل مكانه أطراف سورية في عملية إعادة صياغة الجيش السوري وتفكيك كل التشكيلات التي تأسست في مرحلة الحرب وإخراجها من سورية بما فيها القوى والميليشيات التابعة لإيران.
لا شك ان تطور الأمور وفق هذا السيناريو لا يتناسب مع رؤية إيران لدورها ومشروعها في المنطقة كما لا يتناسب مع طموحها في التحوّل إلى قوة إقليمية عظمى، وبخاصة وأن هذا الأمر يتزامن مع خسارة واضحة لإيران في المقلب اليمني تكاد تجرّدها ليس فقط من أوراق القوة في هذا البلد، ولكن من المشاريع والخطط العريضة التي بنتها إيران في أحلامها في السيطرة على باب المندب الذي لو أضافته لسيطرتها على مضيق هرمز لأصبحت تتحكم بجدارة في طرق نقل النفط من الخليج العربي إلى العالم، وكم سيكون هذا الأمر كابوسياً لو لم يسارع التحالف العربي إلى إسقاط المشروع الإيراني في اليمن.
على ذلك، فإن الإعلان الإيراني بإرسال المزيد من عسكرها يشكل محاولة لرد الصفعة للأطراف العربية، كما أنه ينطوي على محاولة لتخريب ما يقال إنها تفاهمات أجرتها بعض الدول العربية مع روسيا على تقليل النفوذ الإيراني في سورية، ذلك ان طهران بقدر ما تحاول فحص واختبار تلك التفاهمات فإنها تستغل إعلان روسيا سحب جزء من قواتها في سورية بحيث تقدّم هي نفسها كبديل قادر على الحفاظ على موازين القوى التي أرستها روسيا لصالح نظام الأسد في الميدان السوري.
وفي الواقع ورغم محاولات إيران لفت انتباه اللاعبين الدوليين إلى ضرورة مراعاة مصالحها في سورية والمنطقة فإنه من غير المتوقع أن يكون لها تأثير على المدى المتوسط والبعيد، وانه بمجرد وصول موسكو وواشنطن إلى تفاهمات بخصوص الأزمة السورية لن يكون لإيران دور فاعل، وأكثر من يعرف هذه الحقيقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أتاحت له فرصة الانخراط الميداني في الأزمة السورية إكتشاف مدى الضعف والركاكة للقوة الإيرانية، كما أن واشنطن لديها قناعة تامة أن إيران، ومن دون الاعتماد على أدواتها في العراق ولبنان، ليس لديها القوة الكافية لإثبات حضورها في الساحة الشرق أوسطية، وأن جل تأثيرها وفعاليتها تحققت سابقاً في ظل عدم وجود لاعبين إقليميين لديهم الرغبة في الاصطدام معها، وهذا الأمر تغير كثيراً في ظل التحوّلات التي شهدها الإقليم مؤخراً سواء لجهة تشكيل أطر عسكرية «التحالف الإسلامي» او لجهة تفعيل التحالفات الإقليمية «السعودية ومصر» وهو ما يعرقل كل مشاريع إيران التي تقع في دائرة مصالح تلك القوة، خصوصاً في سورية وينذر ببدء انحسار نفوذ إيران في المنطقة،
بجملة مختصرة، ما لم تحقّقه إيران بعسكرها لن تحصل عليه في السياسة.