Site icon IMLebanon

معاني الانتصار التونسي في الربيع العربي

 

اعتبر كثيرون من محللين عرب وغير العرب أن الشعب التونسي عاقب «حزب النهضة» في صناديق الاقتراع على فشله السياسي والأمني في أول انتخابات نيابية بعد قيام الثورة. قد يكون ذلك صحيحاَ إلى حد ما، إذا رأينا أن المسألة تتعلق بمجرد صراع سياسي على الحُكم والسلطة في تجلياتهما وفي تفاصيلهما. وكأنما، تنفصل تونس عن ثورتها، باكورة الربيع العربي، وأول براعمه الشعبية، والتي اسقطت نظاماً كاملاً قائماً على الاستبداد والفساد والقمع وأحادية التسلط التي تقربه من الأنظمة الشمولية ومن نظام المرشد والأخ الأكبر أو الأصغر، و»القائد الملهم» على الطريقة الستالينية، أو النازية، أو الصهيونية. القضية في الأساس هي الثورة السلمية، الشعبية، الجامعة وليس مجرد «قلب موازين» انتخابية ظرفية، قابلة للانعكاس والتغيير بتغيير الأمزجة والمصالح وسلوكيات الحكم.

وعلينا أن نتذكر أن الربيع العربي كما انفجر في تونس، كان مثالاً لما تلاه من ثورات في مصر، وليبيا وسوريا واليمن. خارج العسكرة وخارج الشموليات وخارج الأيديولوجيات بل وخارج الآثار «الثقافية» المباشرة. كأن كل ربيع عربي، بعد ربيع تونس كان متشابهاً: الخمائر الأولى التي انبثقت من الواقع، كان ارتداداً شاملاً على تاريخ طويل من القمع الاستعماري، ومن الاستبداد والقمع وطمس التمايزات الشعبية والنقابية والفكرية والسياسية لما بعد مرحلة الاستقلال. 

بمعنى آخر، حذا كل من سلك «طريق الربيع العربي حذو الإرادة الثورية، التي لا تعني لحظة، أو مطلباً، أو زمناً معيناً، بالأساليب «القصيرة المدى» أو بالانقلابات، أو بمجرد ردود الفعل. الثورات العربية اليوم، كانت مشروعاً طويل الأمد ككل المشاريع الثورية لا بيانات انقلابية جاهزة، مفروضة، مكتملة «الأنساق» والأهداف والمسالك.

لم تأتِ دكتاتورية على انقاض دكتاتورية، تفكر بالطريقة ذاتها، وتفرض بالقوة سلطتها. الدكتاتوريات تصنع مرة واحدة. أما الثورات، فهي بداية بحث عن طريق جديدة للحكم. الدكتاتوريات تأتي دائماً على «أنقاض» الدولة. بينما الثورات تعمد إلى صنع «الدولة» وتمكينها، وعدالتها. الدكتاتوريات تحل محل الدولة (كانقلابات معلنة) بينما الثورات تسعى إلى البحث عن قيم الدولة التي لا تصنعها لا بيروقراطية ولا طغمة عسكرية، أو قبلية، أو مذهبية، أو عائلية. نقول هذا، لأن بعضهم وبعد سنة أو سنتين أو ثلاث، من الانتفاضات العربية وبعد تحولها إلى نزاع مسلح وحروب منتجة ظواهر فاشية، أو دينية متعصبة صار يتكلم على الخريف العربي وعلى نهاية الحلم الجديد؛ بل وذهب إلى التشكيك بقدرة الشعب العربي على انجاز تغيير ديموقراطي شعبي جذري؛ في مصر بدأت الثورة على نظام حسني مبارك في الميادين، وبالصدور العارية، وبالتظاهرات السلمية، والاعتصامات، في المدن والدساكر. لكن صناديق الاقتراع «خانت» تلك المنطلقات وجاءت بالاخوان المسلمين الذين كانوا يتمتعون بقدرة كبيرة على تنظيم التعبئة وخبرة عريقة بإدارة العمليات، إضافة إلى أموال غزيرة، بينما كان أطراف الثورة «الحقيقيون» يفتقرون إلى كل ذلك، إلى كل هذه التفاصيل لغياب التنظيم والتهيئة لمثل هذه التجارب، ولم يكن يعني ذلك ان الثورة التي بدأت بالجموع الشعبية المتنوعة، سُلِّمت إلى الاخوان… وانتهى الأمر! كان ذلك مرحلة «انتقالية»، لا نهائية! فالثورة لأنها أكبر من عمليات انتخابية ظرفية، لم تتوقف، وأن داخلتها أحزاب انتهازية «فارغة» بالعقلية القديمة: الوصول إلى السلطة! هذا هو الفارق! الاخوان أهل سلطة، وليسوا أهل ثورة، مشاعات هيولية من الشعارات وليس مضامين من شأنها شق طرق لبناء الأفكار. ولهذا، كانت تجربتهم في الحكم كارثة! وقد كان ذلك منتظراً، ليس بسبب فشلهم فحسب، وانما لأنهم كانوا في الواقع الثورة المضادة داخل الثورة. العقل الشمولي داخل الإرادات الجماعية الحرة، المتنوعة، الديموقراطية. هذا هو مسار الثورة… وإذا اعتبر البعض ان الثورة «سرقها» في البداية الاخوان المسلمين ثم صادرها الجنرالات فان هذا البعض يخطئ لأن كل مسار في تعاقب فصول الانتقاضات هو انتقالي، خصوصاً إذا لم يندرج ضمن الفضاء الواسع للثورة. وهنا بالتحديد يمكن الكلام على بعض العناوين التي برزت عند بعضهم مثلاً: « مصر من الثورة إلى الدولة»، أو أخيراً، «تونس من الثورة إلى الدولة» ولكن أي ثورة لأي دولة. وليس كل دولة تنبثق عن ثورة. هي الدولة المطلوبة، إذا كانت روح الثورة وجماهيريتها وحيوياتها ومراحل بنائها المتتالية القائمة على التغيير الدائم وعلى المواجهة النقدية الشاملة وعلى حرية المحاججة والمقارعة. فتونس تعيش اليوم، إذا جاز التعبير أجواء «الجمهورية الثانية» (كما فرنسا مع ديغول مثلاً) ولكن هذه الجمهورية «الجديدة» إذا لم تنتج معادلاتها وتفاعلاتها على قاعدة التجاوز فلن يكون مصيرها أفضل من «الجمهوريات» السابقة. إن هذه الاستمرارية في «تحدي» الذات المتحركة الدينامية، المبدعة، هي التي تمنح الحياة اي التطور والتقدم في مختلف المجالات. من هنا بالذات يمكن أن نتناول «الانتفاضات الأخرى التي تحولت حروباً وعنفاً وتدميراً، وعسكرت المجتمعات التي صنعت التحركات السلمية. السؤال: هل يعني ذلك نهاية الثورات؟ أو «خرفنة» الربيع السوري؟ ربما، في المدى القصير. لكن خمائر الثورات الأولى ما زالت موجودة على الرغم من التهجير، والقتل والوحشية التي جعلت البعض يصرخون «هذا من فِعل الربيع العربي» و«الربيع العربي كارثة» و«جنون» و«مؤامرة» ، بل راح بعضهم «يروج» لغة الحنين إلى الأنظمة الاستبدادية لأنها كانت على الأقل توفر الأمن. هذه المعادلة اسقطتها الانتخابات التونسية: الأمن أو الخراب، النظام أو الخراب. وإذا توقفنا عند التجربة السورية قد نصاب بالهلع والرعب، لما يحصل هناك. ولما آلت إليه الأمور: ميليشيات ايرانية، شيشانية، لبنانية، ثم النصرة وداعش… ان كل هذه الظواهر السلبية المذهبية، والطائفية والدينية المتطرفة والماضوية. هي أولاً وأخيراً من صُنع القوى المضادة للثورة الحقيقية في حيوياتها الأولى.

الربيع العربي لم يصنع داعش ولا النصرة… ولم يستدع حزب الله ولا فيلق القدس، ولا السلاح الروسي إلى سوريا، انما استُقْدم كل هؤلاء لمنع الربيع العربي من شق طرق ثورته السلمية. وهذا ما حصل في اليمن: الغريب ان الربيع اليمني حافظ على سلميته وشعبيته، على امتداد التحركات، ثم استقدمت القوى المضادة لهذه المسارات: حروب أهلية، وحوثيون، وعشائر، وقبائل… وعنف، وتخريب…

حتى ليبيا، عندما انفجرت الثورة في بنغازي كانت شعبية، حتى حوّلها القذافي إلى حرب وعنف، تماماً كما فعل بشار الأسد، بمساندة إيران وروسيا. أي إعادتها إلى المربعات الانقلابية، ليتساوى الجميع في مسؤولية البطش والجنون. ولا نظن أن الثورات العربية، خصوصاً في سوريا وليبيا واليمن، كان من أهدافها، تغيير الجغرافيات، والاتفاقات والمواثيق ولا إعلان مجيء «مرشد» أو خليفة، أو «قائد» جديد، ولكن العنف الذي صنعته الأنظمة في البداية، هو الذي انتج كل هذه الظواهر الانقلابية. الأنظمة الانقلابية مثل ليبيا واليمن وسوريا… لا تنتج سوى مثيلاتها الانقلابية، لطمس معالم الإرادات الشعبية والأصلية، أي الانطلاقات الأولى للثورة. وقد يبدو للناس (وهذا طبيعي) أن الربيع العربي بمنطلقاته دُفن تحت ركام الخراب الأصولي والشمولي والمذهبي، والتقسيمي، وأن ما يطفو اليوم على السطوح الدموية، هو «واقع» مستديم، أو نهائي، لا يبشر سوى بالطوفان، ولا من نوح ولا من طير يحمل في منقاره وردة أو غصناً. وإذا عدنا إلى مرحلة تسلم الاخوان الحكم في مصر نجد أن هذه الأفكار اليائسة راودت الكثيرين (ونحن لا نلوم أحداً). وكأن الثورة صُنعت أصلاً على قياس الاخوان، أو أي فئة سياسية أخرى، طامسين تلك الإرادات الشعبية التي تفجرت في كل الأنحاء. حتى ثورة الأرز التي نعتبرها في طلائع «الربيع العربي» ومن مُطلاته المضيئة، قد حُوصرت أيضاً بداعشيات، وميليشيات وأسلحة، اغتيالات. وقد ظن ويظن بعضهم أن التظاهرات السلمية المليونية التي أخرجت الوصاية السورية المسلحة من لبنان، وحررت الشارع والميادين من التحريم والقمع والتسلط والمنع، توقفت، أو وهنت، إزاء «فائض قوة» حزب الله وإيران. وعادت نغمة «سلاحنا أو الخراب»، «سلاحنا أو نهاية البلد»، «سلاحنا أو الفوضى» (وهي معزوفة الدكتاتوريات السابقة التي سمعناها من حسني مبارك وبشار الأسد وصدام حسين وخامنئي…)، نحن أو اللااستقرار… نحن أو تقسيم البلد… إلخ. بمعنى آخر، وكما حصل في سوريا، ومصر، وليبيا، تكرر في لبنان، أو العكس: القوى المضادة للتغيير والثورة على الوصايات والأفكار الإيديولوجية المعلبة، والشمولية، حاولت تدمير كل ما له صلة بثورة الأرز. لكنها فشلت حتى الآن، على الرغم من كل ما حاولت استخدامه انقلابات، وإرهاب، وقتل… لأن المعاني العميقة للانتفاضات في ثورة الأرز هي ذاتها في الانتفاضات العربية الأخرى، كامنة، متحركة في الأعماق، وفي العقول وفي النفوس، ذلك أن الحركات الكبرى في التاريخ، كالتي بدأت في تونس، وقبلها في لبنان، وامتداداً إلى بعض الأقطار العربية، ليست مجرد «التماعات» لتنطفئ، أو فورات صغيرة لتهدأ. إنها فتح سياقات جديدة للأفكار، والمعاني، والحريات، وإذا تعثرت هنا، فلكي تنهض، وإذا كَبَتْ هناك، فلكي تستقيم. هذا ما حصل في الربيع التونسي، وهذه معانيه، وهذه بعض مفاتيحه: الدكتاتوريات تُصنع مرة واحدة، لكن الديموقراطيات تصنع كل يوم. الدكتاتوريات «تولد» مكتملة، والديموقراطيات تنمو ناقصة. الدكتاتوريات هشة بقوتها، أما الديموقراطيات فقوتها في هشاشتها. هذه هي الدروس الأساسية التي تعلمناها من الثورة الفرنسية 1779. فهل ولدت الثورة الفرنسية مكتملة، طاهرة، نقية؟ ألم تُنتج روبسبيير في بعض مراحلها؟ ألم تستغرق هذه الثورة لكي «تنضج» في أفكارها ومعانيها وتصوراتها حوالي قرن، أي حتى العام 1858، ليكون تتويجاً لبناء الثورة الطويل؟ هذا ما قالت الثورة التونسية اليوم، بعد الانتخابات الأولى، وهذا ما يرشح عن مساراتها، وتعرجاتها، وتعثراتها وعلاقاتها بالناس.

1 ) الثورة لا تعني الإقصاء أو الإلغاء أو «الانتقام» أو الثأر. حتى إن الفكر «الثوري» بالمعنى الجديد (لا الماركسي ولا الماوي ولا البعثي ولا الإيراني) هو استقبال ما هو نقيض أيضاً، أو ما هو متنوع، أو ما هو محافظ، أو ما هو حتى قديم، أو تصبح «انقلاباً» أو دكتاتورية. الثورات يصنعها، بعد انطلاقها، الجميع في تفاعلاتها وجدلياتها وتضاداتها. أوليس هذا ما لمسناه عندما فازت ثورة الأرز بالانتخابات الأولى والثانية بعد رحيل الوصاية السورية، عندما مدّ أركان 14 آذار المنتصرون الأيدي لخصومهم (8 آذار) للمشاركة معاً في حكومة وحدة وطنية؟ أوليس هذا ما أعلنه رئيس حزب «نداء تونس» السبسي عندما أعلن أنه لن يتفرد بالحكم ولو نال الأكثرية المطلقة؟ أوليس هذا ما أعلنه مسؤولو «النهضة» الخاسرة، عندما اعترفوا بهزيمتهم؟

2) إذا كانت الثورة حاضنة أي غير إقصائية، فلأنها أنجزت في الربيع العربي ما يُسمى إسقاط الطغاة، والقائد الواحد الأحد، أو «المرشد»، أو الأخ الأكبر؟ أهم ما أنتجت الثورة التونسية أنها خلفت وراءها حُكم «الحُقن والعصابات» والطغيان المحصور بالشخصانية الأحادية. وهذا ما أنجزته ثورة الأرز. أسقطت، أو أضعفت «رواد» «النبوءات» والدكتاتوريات الوراثية والعائلية؟ ليستعين حزب إيران أي حزب الله بالفتنة المذهبية لترسيخ «مرشدية» مرجعيته الإيرانية والمحلية، كما فعل في سوريا بالتنسيق مع النظام: رد على الثورة الشعبية السورية بالفتنة المذهبية والحروب والقتل، لأنه أعجز من إنتاج أي ثورة فعلية، وهو شبيه في ذلك بالاخوان وداعش والنصرة…

3) المحاسبة النقدية هي العنصر الأساسي في الديموقراطية، أو في علاقة الشعب بالسلطة. لا «مقدس». ولا زعيم «إلهي». ولا نظام «من الأبد إلى الأبد»، فوق النقد… إلخ. وإذا كان الشعب التونسي استدرك ما استدرك بحسه «التغييري» خطورة الأحزاب العقائدية الأيديولوجية والدينية، فإنه عبّر عن ذلك، وفي مساره الجاري، بالانحياز إلى القوى الديموقراطية (وهو سيحاسبها لاحقاً). وهذا ما فعله الشعب اللبناني، عندما هزم 8 آذار في دورتين انتخابيتين ليستعين حزب محتشمي بالسلاح والانقلاب والاغتيال ضرباً لهذه المحاسبة الشعبية له، خصوصاً إشهار الفتن المذهبية تعويضاً عن عدمية مفاهيمه للدولة، وللسلطة، وللتاريخ، وللحرية، والسيادة…

4) فمن نفي الإقصائية (المتوارثة عن دكتاتوريات القرن العشرين)، إلى المحاسبة، إلى الانفتاح، يطلع ما يسمى «الاعتدال»، الذي برز في بادرة رئيس حزب «نداء تونس»، و14 آذار لا سيما عند الرئيس سعد الحريري. والاعتدال لا يعني الخضوع، أو الضعف إزاء الطغيان، بقدر ما يعني الإصرار على البناء الجماعي للإرادة الشعبية المتشابكة. ولا يعني «التنازلات» أو الخوف… بقدر ما يعني الحرص على مكوّنات الشعب، والتغيير، والدولة المفتوحة، والأفكار المشرّعة، والمبادرات السلمية. الاعتدال هو سلمية التغيير، والصمود، هو «معادلات» المنطق الوطني، في وجه جنون التطرف، وهلوسات التعصب، واختناقات الانعزال. فالعنف هو انعزالي بطبيعته. والسلم هو انفتاحي. هذا ما علمتنا إياه الثورة التونسية وثورة الأرز، وهذا ما ستعلمنا إياه مسارات الربيع العربي الوفية، التي ظن بعضهم أنها طُمست. أتكون طُمست وتطلع بهذا البهاء من تونس الخضراء، أتكون طُمست وتتجلى بهذا الوضوح بصمود مكونات 14 آذار في وجه الدكتاتوريات الانعزالية، الإقصائية، العنفية التي يجسدها حزب إيران والنظام السوري، وداعش، والنصرة، وهي مسميات واحدة، لخوارق «التاريخ» المسلوب! على هذا الأساس، نكرر ما سبق أن قلنا: ليس هناك ما يُسمى «خريفاً» في الربيع العربي اليوم أو موتاً… لأن الربيع العربي، بانطلاقاته الأولى الشعبية، السلمية، والانفتاحية، والتغييرية، يعيش حالياً، وربما أبعد، حالات طبيعية من المخاض الطويل… هي حالات الوجع والعذاب والآلام… لولادات جديدة!

ما دامت الشعوب هي التي صنعت الربيع العربي… يعني ذلك أن الغلبة في النهاية لربيع هذه الشعوب العربية.

5) إن هذا المخاض الطويل، شأنه شأن الثورات الديموقراطية العديدة، تزداد تحدياته، عندما نجد أن كل «الرجعيات الأيديولوجية» (ستالينية بوتينية، ماوية صينية)، والماضويات الدينية (الاخوانية في مصر)، الداعشية، النصرة، (الخامنئية)، والأنظمة الدكتاتورية (البعثية السورية العفنة)، قد تآزرت لإجهاضه. يضاف انعزالية الولايات المتحدة المتمثلة بأوباما، وترددية أوروبا بديموقراطياتها المترهلة، واقتصادياتها المتهالكة. كل القوى والدول الماضوية حاولت ضرب الربيع العربي، لضرب الاستشعار بالديموقراطية الطازجة المولودة في الميادين، وليس في الكتب والمعلبات. من هنا بالذات يواجه الربيع العربي، باللحم الحي، والصدور المشرعة، والأسلحة الضعيفة العالم هذا، العالم الحر (أوباما تآمر على الثورة المصرية دعماً للاخوان المسلمين) وتآمر على الربيع السوري دعماً لنظام الأسد بالتماهي المطلق مع إسرائيل التي صارت كلها «دولة» أو كياناً ماضوياً منقسماً في «دويلات» وفي «مجموعات» دينية، استيطانية، يهودية متطرفة..

تجربة تونس اليوم تفصح عن ضمير الربيع العربي المعلن والمكنون، كبشرى بيضاء في هذا الزمن الصعب الذي لن ينجو من الطغيان والجنون إلاّ إذا أدرك سبيل الحرية، والدولة العادلة، والثورة الشعبية، والاعتدال المثمر، والإيجابي.